حتى تخرج سالماً.

25282_23450


إن أردت بأمة نهضة وعلو مقام ورقي تفكير وقوة اقتصادية ولحمة أخوية فانظر لمؤسساتك التعليمية وضعها تحت المجهر وكامل بين أركانها . فالتعليم هو التحدي الأكبر في كل المجتمعات البشرية . فاليابان مثلاً بعد هزيمته في الحرب قبل بكل شروط دول التحالف ماعدا شروطهم التي مست جوانب التعليم واللغة والثقافة.
فالتعليم الناجح يجب أن يصب في مصلحة المنظومة الثقافية والدينية التي ينتمي لها المجتمع والتخلص من التقليد والتبعية.
ومن الركائز الأساسية لتخريج شباب متعلم وناضج وقادر على مصارعة الحياة هو التخلص من الازدواجية والمتناقضات بين البيت والإعلام والتعليم. فالجميع يجب أن يسيروا في خطوط متوازية تصب في النهاية في مصب واحد ، حتى لا يولد شخصيات مهزوزة وأشكال مشوهة ذات تفكير مزدوج.
وواقعنا الحالي يموج في كثير من الضغوطات الحياتية الاقتصادية والتفكيرية فلم تعد تتضح الرؤية وأصبح التمييز بين الحقائق من الأمور الشائكة المستعصية أحياناً، وخاصة لمن فقد القاعدة القوية التي تعزز القيم والأخلاق وفهم الدين فهماً بعيداً عن ما ورثناه من تقاليد وعادات. بل نحتاج إلى فهم الدين كما فهمه الجيل الأول من المربي الأول، ودمجه مع متطلبات العصر فكلاهما لا يتعارض مع الاخر.فالشريعة الاسلامية لم تكن ديناً علاجياً فقط بل ديناً وقائياً قبل ذلك ويمدك بمبادئ وقيم يصاحبها مقاييس ومعايير تجد فيها ما تريد.
وفي ثنايا الضغوط التي تواجهنا نجد هذا الضغط الإعلامي والبث المتواصل من قنوات تعبد المال لزيادة رأس المال ، والتي تناست في خضم ذلك كل معايير القيم والأخلاق . فإعلامنا وبكل أسف لا يراعي أبسط الوسائل التربوية ولا الفروقات الفردية والتربوية والمعيشية ويتساهل في التبجح والانحلال الاجتماعي. وأصبح يصدر ما يريده على أنها حقيقة المجتمع حتى ولو كان ذلك مخالف للواقع .
فالإعلام العربي يجسد الواقع ويسلط الأضواء على الفساد والرذيلة وهذا أمر جيد ولكن مع تضخيمها وابرازها على أنها مواقف بطولية وهنا تكمن المشكلة. فهو يصور لنا المرتشي والسكير والزاني والسارق على أنهم أصحاب حق ونتيجة ظلم مجتمع ، ورجال الدين وركيزة المجتمع على أنهم ظالمون مستبدون لا يراعون حقاً لأحد.
وياليتهم لو يأخذون من قصة يوسف عليه السلام التي سردها لنا القران بأسلوب راقي وبإطار أدبي متكامل الجوانب , فهو ذكر لنا لحظة الضعف والفساد في امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام وأبرز لنا التعدي منها ومحاولتها ممارسة الرذيلة معه ولكن بدون تضخيم ولا تجني ، وفي نهاية القصة يتجلى لنا الحق من الزيف والكل يتمنى أنه مكان يوسف عليه السلام.
كلنا ننادي ونريد إعلاماً حراً ولكن نزيهاً فعندما لا نستطيع أن نقول هذا خطأ وهذا صواب فهو تخلف وكبت للحرية ، فلا تناقض بين حرية الإعلام ومصلحة المجتمع بل كلاهما يخدم الآخر. ولكن عندما تغلب مصلحة المؤسسات الإعلامية على مصلحة المجتمع نجد إعلام ما يسمى إعلام ما تحت الحزام.
وتتميز المجتمعات عن بعضها بأن كل مجتمع يملك نظاماً عاماً يخصه، ويجب على الاعلام احترام هذا النظام وممارسة الحرية داخل إطاره.  فمثلاً في الاعلام الغربي الذي لا يملك خطوط حمراء تم منع فيلم المسيح من قبل محكمة حقوق الانسان لأنه مخالف لنظام المجتمع بعد مطالبة الكثير بإيقافه . فتمييع الشباب ونشر الرذيلة لا تسمى حرية بل هي انحطاط بالمجتمع من آدميته إلى حيوانيته.
وفي داخل هذه الأعاصير القوية يجب على كل شخص مضاعفة مسؤوليته عن ذاته والرقي في اختيار الطريق مع الجدية في احترام النفس وانتقاء المكان الصحيح لموضع القدم. مع الأخذ بمعطيات العصر وبناء الثقافة الشخصية بعيداً عن المواريث والعادات المتلقاة،  والارتقاء بالقناعة الفكرية المصاحبة للدليل والوثوق بدينٍ نعلم شموليته ونعلم تاريخه الناصع.