آلام.





أهكذا ستسير السنين؟
أهكذا سينقضي العمر تحت أقدام الليالي والأيام؟
أهكذا تتهشم اللحظات الجميلة ؟
أهكذا يتصدع زجاج الحب ويهوي كحبات من الكرهِ والحقدِ ليجرح أصابع من يمسك به؟
أهكذا تنطفئ شمعاتُ الأملِ ويخبو نورُ السراج؟
أهكذا يغطي الظلام أبصارنا؟ أم أن السير بغطاء من الظلامِ في النور أفضل من السير بنور الفؤاد في ظلام الطرقات؟
الجواب بأن الألم أصبح طبيعة والوجعَ حياة والجُرحَ عادة ونزيفه ارتواء. 
دمعةُ بلا بسمة، ووداعُ من غيرِ عِناق، وليلٌ بلا صباح، وسموم بلا نسيم، وجفاف من غير مطر، ضِحكةُ من غير نواجذ، هدوءُ من غير سكينة، فقرٌ مع مال، وعريٌ مع لباس، وكآبة مع ملاهي، وسقمٌ مع دواء، وضجر مع أصحاب، وجهلٌ مع فقهاء، أو شوك وطلح وغبار.
جفت جداول الوادي، وماتت زهرة البنفسج، وتحطمت الإقحوانة كما تتحطم الفضيلة تحت أقدام البِغاء. 
لا تقل هي نظرتي للواقع الأليم، فهو واقعٌ من غير أن أراه، ولا تقل ارتدْ نظارة الأمل لِتُزيح مآسي الألم.
دنيا تعيسة لا تقبل إلا التعساء، لا مكان فيها لصحنِ خبزٍ روحي ولا عصيرٍ ملائكي نتناولهما بأفواه القلوب والخواطر. فتربتها الشيطانية المختلطةُ بماءِ البشريةِ القذرِ المُشبعِ بكذب المُلتحي وخداع الرأسمالي وظُلم الحاكم واستبداد الرئيس وتسلٌطِ الأخ وصراخِ الزوجة وصِراعِ الصديق ومجابهة الأمواج ولفحِ الرياح، أُخِذت ليُصنع بها كائن صلصالي ضعيف سلس منقاد صاحب شكل خارجي أجوف. 
سُلب ما بداخل الصدور ونُزع ما في القلوب ليبقى الجسد الترابي يهيمُ وحده كآلة تكدح وتعملُ لأجل صاحبها. 
عُظِّمت الشرائع البشرية على حساب حريةِ الجمال ومُتع الدنيا ولذة الحياة، فأصبح الكل كطائرٍ محبوسٍ في قفصٍ يعاني الجوع وعنده أكله ويقاسي العطش وماؤه حوله.
من سن الطفولة ونحن نسمع صرخات من اللاءات تصم الآذان وتفجرُ الدماغ، حتى أصبحنا نحن نكررها لمن حولنا فقد أصبحت شرعا وعادة. 
نسير في طريق من اتجاه واحد يوصلنا إلى جرف وادي سحيق فنتساقط واحدٌ تلو الآخر، فإن عاكست السير للنجاة دهستك الأقدام وهلكت وإن أكملت المسير سقطت. 
نحتاج شيئا نابعا من القلبِ، متقدا من الفؤاد، جارفا كالسيل قويا كالصخر، نحتاج حبا يُنعشُ القلب ويُلهب الأحشاء.
حبا بين الأخ وأخيه والزوج وزوجته والصديق وصديقه والرئيس ومرؤوسيه والحاكم وشعبه والوزير و خادمه والرجل وأبنائه والمرأة وجارتها.
نحتاج أن نترجل عن سرج كبرياء البشرية المصطنعة وننزلَ عن عرشنا المزيف ونزيحَ عن كاهلنا عباءة العنصرية ونعود كما خُلقنا ونستبدل قلوبنا بقلوب أطفال وعقولنا بعقول حكماء، عندها سيلمُ الليل أذياله وينسحب لتُشرق أشعة شمسٍ تسقطُ على المباني والأزهار والحدائق فتُحيلُ لونها للون الذهب البراق ويمتطي الشتاء فرسه راحلا لنستقبلَ الربيع فنهشُ به متأهلين ونقودُه مرحبين فتنمو الإقحوانه  من جديد وتحيى زهرة البنفسج ويترقرق الجدولُ حرا إلى الوادي. 




5 التعليقات:

غير معرف يقول...

أعشق حروفك،،
رغم الألم الذي تكتب به إلا أن حروفك تمنحنا الأمل بالحب دائمآ

سلمت يداك يا أستاذي

غير معرف يقول...

لأول مرة أقرأ لبندر الاسمري كلمات منسابه بعيده كل البعد عن مفردات اللغة العربية الصعبة التي يجهلها الكثير،مدونة جدا جدا واضحة بمفرداتها حتى أقل شخص لديه ثقافة باللغة العربية يفهمها ويستوعبها.مضمونها جميل ومريح للقلب أنا شخصيا شعرت بإسترخاء كأن كلماتها مساج.حبيت بالختام دعوه ملائكية للجميع أن نكون بقلوب أطفال وعقول حكماء جدا رائعة كل العادة أنت مبدع.

غير معرف يقول...

مبدع كعادتك يأخي
شهوده

Unknown يقول...

اقل مايقال لك مبدع

بندر يقول...

حاتم الاسمري:

شكرا لك ياطيب .. وجودك هذه المرة هنا . . افرحني كثيرا .. لك تحياتي

إرسال تعليق

اهمس لي