ملاحاة رجل (1).





برق في ذهني هذا المصطلح وأنا أرى وأسمع الكثير من الملاحاة في المجالسِ ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا طبعيٌّ ومألوفٌ بيننا نحن العرب، فالرجل منا وهو على كرسي الفراغ ووسائد الخلاء والخواء لا يطفئ لوعته إلا النقد واللوم وتكسير مجاديف قوارب الآخرين حتى لا يصلوا إلى ما لم يستطع هو الوصول إليه .

سأعرض بين يديكم مثالين لرجلين نالهم الكثير من النقد والملاحاة والخصومة لا لشيء إلا أنهما صدعا بكلمة الحق، وتناديا بكشف الخونة الكذابين من مؤسسات وأشخاص لهم مشاربهم المتعددة وطقوسهم السرية، ومصالحهم التي تشترك أحيانا وتفترق أحيانا. وأنا هنا لست إلا مجرد مسلطٌ للضوء إلى أمر أزعجني وأساءني، فلكل وادٍ في العين منظر، ولكل بقعةٍ في النفس أثر.

الرجل الأول هو الرئيس التركي ( أردوغان)، الذي صرح مرارا بتوجهاته الشخصية التي لا تتنافى مع مصلحة دولته تركيا ومصلحة شعبه الذي اختاره وانتخبه، والتي أيضا لا يجب أن تتقاطع مع مصالح المسلمين فنحن في فرقة عن بعض وعزلة عن مصالح بعض. ورجل في قامته يملك الحرية التامة في قول ما يريد وعمل ما يريد وهو أعلم بهذا ولا يضره نباح من نبح أو صياح من صاح. وفي تصريحاته الأخيرة على ما يدور في دولة مصر وما حصل فيها من قتل للأبرياء وسفك للدماء قد أثار غضب البعض وهم قلة قليلة عددا، ولكنهم وللحق كثيرون عملا. فقد أصابهم الذعر من تصريحاته وصار حالهم كحالهم يوم القيامة، أو كأنهم في معركة شديدة، فالقنابل تتوالى، والقذائف تتعاقب كالمطر إذ انهمر، عندها تكاتفت القلة القليلة وقاموا بملاحاة الرجل وسبه وشتمه وإلحاق الأذى اللفظي، وقاموا بهجومهم السخيف وعيروه بأجداده العظماء، وهذه حيلة العاجز وبضاعة المفلس. وقد قالها الشاعر :

إذا لم يكن للمرء عينُ بصيرةٍ…. فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفرُ.

ومن هم أجداده يا ترى ؟

هم خلفاء المسلمين ، هم من حكموا الدنيا بأسرها من مشرق الصين إلى مغرب الدنيا. هم من ركعت لهم جبابرة العالم ، وأباطرة أوروبا وملوكها. هم من كان البحر الأحمر بعظمته واتساعه بحيرةً مغلقةً في دولتهم. هم من حق الحق ورفع راية التوحيد والعزة والخلافة. بمثل هؤلاء يُعير ( أردوغان) .

أنى يرى الشمس خفاشٌ يلاحظها …. والشمس تُبهر أبصار الخفافيش.

عيروه بالخلافة وليس بعجب. فهم مصابون بداء انتكاس المفاهيم وقلب المصطلحات. فالخلافة أمرها عظيم وشأنها جسيم على أحلام العصافير. وهي في كأسٍ أكبرُ من أن يُساغَ بجرعة واحدة. تلك الخلافة التي فتحت القسطنطينية التي بشر رسول العالمين فاتحها . والتي كانت عاصمة الرومان ومقرهم وعقر دار الأرثوذكسية الشرقية التي يتباكى عليها اليوم ( صعاليك القوم ) والذين ساءهم دخول الإسلام إليها وانتشار العدل في أرجائها ويتمنون أن لو كانوا موجودين حين فتحها حتى يجهزوا على الفاتح أو يغدروا به فداءً لدولة الصليب وفداءً لملوكها وقساوستها.

عيروه بـ ( سليم الأول) قاهر الصفوية ومُذل المجوسية الأنجاس أعداء االله والدين صاحب الرسالة لتي قال فيها مخاطباً اسماعيل الصوفي : ( إن كنت رجلاً فلاقني في الميدان ولن نمل انتظارك ). عيره ب (عثمان الأول) و ( سليمان القانوني) و ( عبد الحميد الثاني) قاهر اليهود حافظ الأمانات والعهود.

يقول كبيرهم ( محمد ال الشيخ ) : تجد الدم والقتل أين ما حلوا الترك . نعم عزيزي تجد الدم والقتل وكذلك تجد التسامح واللين بابا مفتوحا على مصراعيه. ولك أن تقرأ ما كتبه ( توماس أرنولد) وكيف كان يدخل المسيحيون طوعاً إلى الإسلام ، وكيف لجأ يهود أسبانيا إلى سماحة وعدل الترك. وأن (مقاريوس ) بطريرك كنيسة أنطاكيا كان يقول :( أدام الله بقاء دولة الترك خالدةً إلى الأبد) مما رأى من عدل الإسلام وسماحة أهله.

وليت (آل الشيخ ) وأطفاله ينسبون الدم والقتل لمحاكم التفتيش التي كانت تقام ضد أخوته في الدين في الأندلس ولكنها صعلكة العلم والتبجح والكبر وبيع الحرف لصاحب الشيك الأكبر.

( أردوغان) يا عزيزي لا يبحث عن ( خلافة ) فهي أكبر وأشمل . ولكن كن أكيداً أن لمزك إياه بتلك الكلمات ما هي إلى عز له وفخرا بأمجاده وأجداده ولكنها الغضبة النجدية على محمد علي باشا التي لم تُنسَ مع الأيام ، وكذلك الخوف من الحكم ( الإسلامي) للمنطقة والذي قد يقفل مراقصكم ودور السكر والعربدة .

أما  الرجل الآخر الذي أريد التطرق له فسأتركه للقاء القادم خوف الإطالة.

رابط المقال في الصحيفة. http://t.co/hreoFRo2je