نظرات من كتاب ( المملكة ) .. الجزء الثالث .. الفضائحي .






توقفنا في الحلقة السابقة عند نهاية معارك البترول والنفط العربي ونُكمل هنا أعزائي من قبيل الحرب العالمية الثانية عندما كان (ابن سعود) بدهائه يغازل جميع الأطراف وبحذر شديد مع ابقاء حبال المودة وثيقة مع العرش البريطاني، وهذا في نظري يعود فضله لمن حوله من رجال ومفكرين وساسة، أمثال (جون فيلبي) و (يوسف ياسين) و ( مدحت شيخ الأرض) و (أمين الريحاني). فالسعودية قد أقامت عام (1939) علاقات دبلوماسية مع ألمانيا النازية وكانت رسالة (ابن سعود) قد وصلت لهتلر  الذي يؤكد فيها ( أن هدفنا الرئيسي هو أن نرى علاقات الصداقة الحميمة مع الإمبراطورية الألمانية تتطور إلى أبعد الحدود). وفي بعض الوثائق التي كُشف النقاب عنها بعد نهاية الحرب وتدمير ألمانيا كيف كان (ابن سعود) يلتقي بـالدكتور (فريتس غروبا)، رئيس العمليات الألمانية في الشرق الأوسط ليخبره أنه (يكره الإنجليز من صميم قلبه)، ومع تقدم الحرب قام (ابن سعود) ببعض اللفتات الحكيمة للجانب المنتصر وهكذا أبقى عبد العزيز وبمهارة خياراته مفتوحةً ما بين (1939 ـ 1945) كما كان يفعل في الأيام الخوالي عند مغازلته للأتراك والإنجليز في بدايات سعيه لضم الجزيرة العربية، فخشبة المسرح واحدة ولكن أبطال المسرح هم من يتغيرون. وهذا ما جعل (ونستون تشرتشل) والحرب العالمية الثانية توشك على الانتهاء يمتدح ولاء (ابن سعود) الصادق والراسخ لبريطانيا وحلفائها إبان سنوات الحرب ضد هتلر.

 مذكرة أمريكية في شهر ديسمبر عام (1942) تقول :((إننا نؤمنُ وبعمق بأنه يجب النظر في مسألة تنمية الموارد البترولية السعودية في ضوء الصالح الوطني الأمريكي العام)) وهذا جعل (روزفلت) يأمر وحسب نظام (الإعارة والتأجير) بمبلغ (33 مليون دولار) للمملكة السعودية، وبدا واضحا وجلياً أن الأمريكان يريدون تعويض ما فاتهم من وقت، و ( ابن سعود) لا يرفض المال أبداً.

وعلى هذا وبناء على طلب الأمريكيين باتخاذ كافة السرية أمر (ابن سعود) حاشيته بالاستعداد للسفر من جدة إلى مكة المكرمة في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم 12 فبراير( 1945) وعندما أصبح الجميع في سياراتهم أمر السائقين بالتوجه إلى الميناء بدلا من مكة المكرمة. واستقل هناك قوارب كانت في انتظاره إلى المدمرة الأمريكية (ميرفي) والتي غادرت جدة في الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر، مخلفاً وراءه إشاعات مسعورة مفادها أن الملك قد تنازل عن العرش وأنه قد اختطف.
 وبمعية (100) من الخراف توجه (ابن سعود) لمقابلة الرئيس الأمريكي (رزوفلت) على ظهر المدمرة الأمريكية في البحيرات المرة وكان روزفلت يعتقد بأن بريطانيا قد أساءت معالجة مشكلة (اليهود و فلسطين) كما أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة جعل من مسألة الوطن القومي اليهودي في فلسطين قضية سياسية كبرى.  كما ذكر (روزفلت) ما تعرض له اليهود من الاعتداءات و الإهانات من الألمان وما تعرضوا له من قمع وتعذيب وقتل جماعي. فقال (ابن سعود) وبمنظور البدوي الحكيم  ((أعطهم أحسن أراضي وبيوت الألمان الذين قاموا باضطهادهم)) وبعد ثلاثة أيام من هذا الاجتماع وفي أحد فنادق القاهرة كان هناك (ابن سعود) و ( تشرتشل ) رئيس وزراء بريطانيا يتحدثان في نفس الموضوع ولكن (ابن سعود) لم يحب (تشرشل) لأنه كان يشرب الخمر ويدخن أمامه. كما أنه وفي نهاية لقائه أهداه (تشرشل) علبة عطر ثمنها (100) دولار وهذا من الأمور التي ندم عليها (تشرشل) كما ذكر في مذكراته.
ومن بعض المشاهدات الطريفة التي كان يقوم بها مرافقو (ابن سعود) على ظهر المدمرة الأمريكية أنهم رفضوا النوم في غرفِ النوم الفاخرة واكتفوا بالتمدد على ظهر السفينة وكيف أن أبناء (ابن سعود) ( محمد و منصور ) انسلوا خلسة من أبيهم لمشاهدة فيلم غرامي كان يعرض للترفية في غرفة البحارة .

وجاءت سنة ( 1948) وجاءت النكبة, وجاءت الإهانة، وجاءت المذلة، وأعلن عن قيام دولة إسرائيل مع طلب العراق آنذاك بقطع البترول نهائيا عن أمريكا فرد عليهم (ابن سعود) بقوله: ( أعطني ثلاثين مليون دولارا، وسأنظم إليك فورا ) وفيها دلالة واضحة على الخزي والخذلان والتفكك العربي وحب المنصب والمصلحة الشخصية.ومازالت القضية إلى يومنا هذا مطروحة للتداول.

في ليلة من الليالي الحمراء في مدينة جدة، وبعد احتساء الكثير من كؤوس الخمر ومع تمايل الراقصات الشقراوات و في منزل نائب القنصل البريطاني (سيريل أوسمان) خرج ( مشاري بن عبد العزيز) ثم عاد بعد مدة وجيزة ليقتل نائب القنصل إثر إهانة تعرض لها. وعلى إثر هذا الحادث تم تحريم استيراد الكحول نهائيا وكان هذا عام (1952).

قال تقرير أمريكي كئيب النبرة إنه يمكن وصف الحسابات والمراقبة المالية السعودية على أنها ((مشوشة)) وأن النظام الضريبي ((غير صالح)) وأن مسك الدفاتر كان ((متخلفاً جدا وغير فعال))، ومن أجل هذا وقع الإفلاس في الخزينة السعودية عام (1953) وذلك مع زيادة عائدات السعودية النفطية، ولكنها سوء الإدارة المالية بل لعدم وجود وزارة المالية أصلا، حيث أن الملك عبد العزيز كان يقول ( المال ليس للخزن بل للبذل فقط).

توفي الأب (ابن سعود) عام( 1952) وجاء الابن سعود الذي كان غارقا في ملذاته وشهواته وكيف استطاع بعثرة ما بقي من ميزانية الدولة حتى أن الخزينة عام ( 1958) لم يكن فيها إلا ( 317 ريال ) فقط, وهذا الرقم لن ينساه أحد من الاقتصاديين السعوديين وحتى أعضاء الأسرة الحاكمة. ولكن بفضل الله ثم بحكمة الداهية (فيصل) الذي استطاع وخلال تسعة أشهر فقط من إعادتها إلى ( 60 مليون ريال ).

لم يغفل المؤلف أيضا عن الرشاوي التي دُفعت عام (1958) لتخريب العلاقات المصرية السورية والوحدة العربية التي ينادي بها (عبدالناصر) والتي ظهر فيها الملك سعود كالأحمق أمام العالم .
عُزل سعود نهائياً وبناء على فتوى دينية عام (1964) وتوج فيصل ملكاً محاربا ومناضلا عمل بإخلاص للحفاظ على أمته وشعبه ومُلكه، في زمن كثرت فيه الأزمات والاختناقات، الداخلية منها والخارجية، فحرب اليمن مع (عبدالناصر) قائمة والديون مرهقة ولم يجد بجانبه معين من أخوته الذين يصغرونه، فسعود يكيل له المؤامرات من أجل استرداد ملكه وليست قصة الطائرات الـ (23) والتي اشتراها (سعود) وخبأها في البرتغال للقيام بانقلاب على أخيه فيصل بغائبة عن أحد. وأيضا أخاه محمد (أبو شرين) والذي رفض ولاية العهد وقال ((أنا لا أصلح أن أكون ملكا إذ أني لا أطيق التقيّد بما يقوله لي الوزراء والمستشارون والسكرتارية، فأنا رجل بسيط، إنهم سيضحكون علي)) ثم وافق خالد الذي يصغره أيضا والبالغ من العمر (53) سنة غير أن قبوله كان مشروطا بأن يُمنح ما يكفيه من الوقت بعيدا عن السياسة ينصرف فيه إلى خيوله وصقوره وباديته.

وقعت حرب أكتوبر (1973) وفيها استُخدم سلاح النفط، وفيها أيضا تجلى التضامن العربي السعودي المصري، ففيصل كان قد منح (أنور السادات) نصف مليار دولار لمشتريات الأسلحة ونصف مليار للمدفوعات بالإضافة إلى الإعانة السنوية ( 250 مليون دولار) ونتذكر دائما مقولة الملك فيصل للمصريين آنذاك ( إن ما نقدمه من مال ليس صدقة، فالمال اقل بكثير مما تقدمونه من دماء وشهداء ).
عندما نقرأ في المعارك السياسة التي حدثت في تلك المرحلة الحرجة من عمر الأمة الإسلامية يأخذنا العجب العجاب، وكيف كان التحدي العربي الأمريكي الإسرائيلي الروسي ، وكيف أن أمريكا كانت تمارس سياستها ضد العرب وضد الإسرائيليين كذلك، حيث أنها كانت تريد كبح جماح الغرور الإسرائيلي وخاصة بعد نشوة انتصار (1967) والتقليل من الإهانة التي كان يشعر بها العرب.
 وهذا من منطلق تساوي القوى في المنطقة، بالإضافة للشد والجذب وممارسة الخداع ونصب الكمائن وإعلان الملك فيصل الجهاد وإيقاف النفط وهذا الأمر الذي جعل كل العالم يعيد النظر ويعلم أن هناك سلاح رادع يوجد في قلب الصحراء، ومع أن أمريكا لم تتأثر كثيرا وخاصة في بداية الحظر حيث أن ما يشكله النفط المحظور كان (4%) من استهلاك أمريكا من الطاقة. ولا يقارن التأثر الأمريكي ببقية دول العالم مثل روسيا والصين واليابان وأيضا دول أوروبا والتي عانت الأمرين من جراء هذا  الحظر.

رُفع الحظر النفطي بعد أن عادت سيناء للمصريين وتعهدت أمريكا للسعودية ببيعها الدبابات والطائرات الحديثة والسفن الحربية مع تناسي أمر فلسطين تماما.

قُتل فيصل يوم الثلاثاء ( 25 مارس 1975)  على يد فيصل بن مساعد ( ابن أخيه ) والذي كان قد قبض عليه حاملا بعض المخدرات في (كلورادو) وأيضا قُبض عليه أكثر من مرة في شجارات في بعض البارات والحانات الأمريكية، فقام الملك فيصل بالأمر بإبقائه داخل السعودية لأنه شوه سمعة العائلة الحاكمة.

وصل المؤلف إلى نهاية الكتاب ذاكرا الكثير من الأمور المثيرة للجدل في ذلك الوقت مثل: ثروة تاجر السلاح (عدنان خاشقجي) التي جاءت من العقود الحكومية مع وزارة الدفاع السعودية. فبعد أن يُسلم (خاشقجي) السلاح لعصابات الملكيين اليمنيين - والتي هي أسلحة بريطانية زودت بمساعدة سرية من الحكومة البريطانية - يذهب إلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، ليسلمه ما تبقى من المبلغ. فيسأله الأمير سلطان: ((وماذا عن مصروفاتك؟ ألن تأخذ أي ربح؟)). فيرد المُحنك عدنان و الذي لم يكن قد بلغ الثلاثين بعد: ((لقد فعلت ذلك من أجل مليكي،ولا أريد ربحا. وللعلم فمجموعة الخاشقجي عندما أُلف الكتاب عام (1981) كانت تبلغ خمسين شركة.
ثم تناول المؤلف أيضا فيلم (موت أميرة) والذي تناول حياة (مشاعل حفيدة الأمير محمد بن عبد العزيز ) وعشيقها (خالد مهلهل) و مجمل قصة الأميرة واضحاً فالأميرة مشاعل، ابنة أحد أبناء الأمير محمد (أبو شرين) الأقل شهرة،والتي زُوجت في عمر مبكر لقريب لها متقدم في العمر لم يبدِ اهتماما بها، فاتجهت لتعزية نفسها إلى عشيقها الشاب وتمتعت معه بعلاقة غرامية ولأن ذيوع قصتها فضيحة للعائلة. فقد حاول العشيقان الهرب، فقبض عليهما وأنزل فيها حكم القصاص عام (1977) وعلى إثره تم طرد السفير البريطاني من الرياض.

وقبل النهاية أذكر أنه وفي أحد أيام أغسطس (1979) وتحديدا في مدينة جنيف، إذ لاحظ مدراء العملات الأجنبية في البنوك السويسرية أن هناك تحركات غريبة وضخمة جدا في سوق  العملات الدولية. هل تدخلت حكومة في السوق؟ هل قامت دولة جديدة؟ إن حجم التدخل كبير جدا وضخم بما يكفي. فبدأت الاتصالات بين المدراء الأوروبيون ومع هذا فقد وقف الجميع حائرون في أمر هذه المسألة! ولم تتضح الحقيقة إلا بعد مرور بضعة أيام، فلقد قرر صراف نقود بسيط في سوق الرياض وضع جزء بسيط من نقوده الفائضة عن حاجته في سوق العملات الدولة، وعلموا فيما بعد أنه يُعرف بـ(سليمان الراجحي).

في العام (1981) كان (عبد العزيز القريشي) محافظ النقد السعودي مسؤولا عن (مائة ألف مليون دولار سنوياً) أي واحداً وبجانبه (11) صفرا. ولم يجد أبداً سبيلا لإنفاقها، ولاحظ كلمة سنوياً.
وفي النهاية ذكر المؤلف بأن المملكة تمتلك (45) حقلا نفطيا ولم يستخدم منها إلا (15) حقلا فقط .


تم بحمد الله.