شكراً (رُوكسان) تباً (منيرة) ..



(رُوكسان) شابةٌ جميلةٌ أنيقةٌ فاتنةٌ مثيرةٌ تحمل كل معاني الأنوثة في حضنها الدافئ الصغير .......

لا .. لا .. اعتذر أعزائي ليست كذلك سأبدأ من جديد...

(رُوكسان) فتاة مسيحية، ظلت تعمل عقوداً طويلة في خدمتنا كسعوديين، وكانت حنونةً على العجوز، لطيفةً مع الطفل، صديقةً للكل.

يتدفق الإخلاص من عينيها، في مشيتها الجد وفي ركضها النشاط، قريبة من المريض، تبكي لألمه، تفرحُ لشفائه، تشاطرهُ معاناته وأنينه، تمسح على رأسه، تحافظ على فراشه الأبيض نضيفاً، تعطيه مَصلَه ودواءه في وقته، تُوقظه لصلاته و سحوره .

كل ما فيها ينبيك بتربية الإسلام ولكنها لم تنطق الشهادة.

ومع مرور الأيام وجرِ السنين لرداءِ العُمرِ من تحتنا ذهبت (رُوكسان) وجاءت (منيرة) المسلمة المتحجبة، بنتٌ من بناتنا ومن داخل بيوتنا ودورنا، جاءت ومعها كل متناقضات المهنة والدين، لا تعلم إلى أين هي ذاهبة؟ هل لمستشفى أم سوق تجاري؟ كأنها مغصوبة للعمل كممرضة!

متكبرة متعجرفة مغرورة لا تفقه في الطب والتمريض إلا حروفَ اسمه ، محترفةٌ في قهقهات الممرات جاهلةٌ بأقل أصول المهنة، تخاف الدماء، لا تقوى لمس الجروح، لا تعلم أين الشريان من الوريد ولا أين الكلى من البنكرياس.

أهلكت المريض برائحة عطرها وفتنت المراجع والزائر المسكين.

لا علينا فهذه شخصيتها، ولكن من حقنا كمرضى ممن هن في مكانها بخدمة تليق منهن كممرضات تخدمُ المريض مهما كان طيفُه أو طبقته أو سنه.

لجانُ وزارة الصحة في الوقت الحالي تشتكي مما تعانيه (منيرة) من مضايقات ومعاكسات وتحرشات وكأنها هي الأنثى و (رُوكسان) ذكرٌ لا تملك مقومات الأنوثة.

(منيرة) أصلحك الله :

لقد خرجتِ من بيتك وتركتِ أبناءك وزوجَك وأهلك ، من أجل هذا العمل الشريف والذي تتمناهُ الكثير من الفتيات المتقنات للعمل القائمات على بيوتٍ وأطفال، فاحمليه فوق أكتافك بأمانة متحملةً عواقبه و مسؤولياته، فوالله لهو أمانة عظيمة ، وعنها ستُسألين فالمريض مريض يحتاج للعناية والاهتمام فاتركي ما يلهيكِ عزيزتي واعملي وعودي لنا برائحة ونظافة و حسن تعامل ورعاية مستشفيات ( روكسان ) فأنتِ منها أجدر وبخُلقك و دينك وثقافتك أنتِ منها أجمل.

منعطف .




(1)
على كرسي من السنديان الناعم ، أشرب الشاي المُحلى وأنظر للمارة في أحد شوارع العمر . تتقافز أمامي بعض الكرات العتيقة ، ملونة بألوان السماء وألوان جذور الشجر .
وصلت للدرجة الثامنة عشرة من السلم الخشبي الذي (يطقطق) مع كل خطوة أخطوها . كانت من أضخم الدرجات حتى أني أرى فيها حديقة غناء ذات أوراق وأغصان ذات شجون وبيت خشبي التهمته النيران .
في أحد أركان الحديقة خبأت ( آلة المزمار ) وفي الناحية الأخرى رسائل الحب في دفترٍ أزرق صغير . أهوى الإمساك بأعنة الدجاج متخيلاً نفسي أرخي خطامها لتحلق بي بأقصى سرعة . قد كنت محظوظاً فلا أحد في عمري يملك الدجاج ولو كان خيالاً.

(2)
يا لعظمة هذه المباني ...
لم أرى في حياتي غرفة ذات سقفٍ يرتفع خمسين متراً.
سأجرب الصراخ ..
وادي سحيق يحوي مقاعد وطاولات لكتابة الأرقام عليها ومطعم وبعض الأرانب .
هناك أرنب مسالم . وآخر كاشف الرأس ، وأنا ألبس العمامة وأدخن .
أُقحمتُ في حلبة النزال ، وفزت في الجولة الثامنة وكانت المكافئة ( سيجارة ) .

(3)
اكترينا حظيرة مفروشة بحصى أبيض حاد الرؤوس يُطلقُ شرارا عند احتكاكه.

(4)
تشققت لي السماء وهطلت قطرات خفيفة ، جمعتها في إناء وامتطيت غزالة لا يوجد في كبدها المسك . فالرجل صاحب الشارب العريض كان يقول: لا خير في غزالةٍ تُلهيك بمسكها .

(5)
الطريق كان مليئا بالأشجار المورقة التي تُسقى بمياه الصرف الصحي ولكن لجهلي لم أعلم أنها مياه غير صالحةٍ للشرب ، فالماء عندي هو الماء، ما ينزل من السماء وما يصعد في الأشجار . رأيت إحداهن منزوية حزينة، ذهبت لأحتضنها فذابت كالثلج بين كفوف ملتهبة ، احتضنت أخرى فغاصت في الأرض وكأن لم تكن ، غمزتُ للأخيرة فأدارت غصونها بابتسامة خجولة في ثغرٍ أحمر يخفي اللؤلؤ وبقيت معي ، ولكنها كانت شجرةً عاقر .
الأشجار تغيرت وأصبحت كالحرباء ، تزحف وتُغير لونها وتسقي السم للأفاعي وتتحدث أحيانا بعد منتصف الليل .
لم تعد تتشقق السماء ويبدو أنني تغيرت عليها. استبدلت الصخور بالسماء ، فالحفر في الصخر أسهل من انتظار القطرات التي يفوز بها دائماً الأكثر طولاً .
وفجأة وثب أمامي رجل دميم أسود ، ملتفٌ حول نفسه ، جسده مليء بالبراغيث، وتتدحرج الكلمات من شفتيه كالصخر اسمعُ صوت دحرجتها وهي تحطم الجدران وتُكسر الزجاج . يلفني ظهرا كسيجارة ويضعني بين شفتيه ويدخن. كانت رائحتي كريهة ولكنه ورغم حرارة الشمس كان يدخن. لم يطفئني تحت قدمه بل كان يزجُ بي في زنزانةً تحت الأرض مجاورة لغرفة الصرف الصحي .
كان هذا الدميم يُلقنني كيف أكون كلباً مُطيعاً.

(6)
ما زلت بالرغم من (طقطقة) السلم أحفر الصخور فقد زارني أبي ليلة البارحة وقال: بداخل إحدى الصخور ستجد ( إبريق الجن والعفاريت ) الذي سيجعلك تآكل الذهب وتشرب الزئبق .
لم أعد أثق حتى بأبي ... فلا وجود للجن والعفاريت عوضاً عن أن يكون لهم إبريق . فقد أكلت الهواء وشربته .

(7)
لم يعد الطريق مليئا بالأشجار أو أنني لم أعد أراها ، يجب أن لا أشغل تفكيري باختفاء الأشجار ، فنخيل العراق قد أُجتثت من جذورها ، والقانون السماوي أصبح يافطةً تُعلق في الشوارع يقرأها العملاق وتنبح تحتها الكلاب .

(8)
سأتسلق جبال الحجاز، أو سأحفر بداخلها ,, ولكنها أصلب من تلك الصخور والحكومة قد صبت عليها الرصاص .
إذن سأكتفي بالسير في الوادي فلكل وادي في نهايته مصبٌ في البحر .
وهذا وادي من الوديان .
سأصل وسأشرب البحر . ليتني من العمالقة أو أخدمُ عند العمالقة ، لكان البحر تحت قدميّ يتودد بأمواجه فاضربه بالعصا فينفلقْ واضربه أخرى فيُغرق جبال الحجاز .
توقفتْ قفزات تلك الكرات العتيقة على وخزات ذلك النادل الذي أجبرني على دفع ثمن كوب الشاي البارد..