تلاطم دموع




جلسا بجانبي في الطائرة وكانا لم يبلغا الحُلم بعد، أخٌ حنونٌ وأُخته اللطيفة ، كان يطعمها ويتفقدها ويحرص على خدمتها واضحاكها، صغيرٌ كان بقلب أمٍ رحومة، صغيرة كانت بقلب معشوقةٍ جميلة،  لا يبتغي منها الكثير ولا القليل ، ولا المكافأة ولا العطاء ، ولا المدح ولا السخاء. أخ مع أخته وكأنه العاشق مع معشوقته في لحظة اجتماعهما خلسةٌ عن الأعين أو زوجان في شهر عسلهما،، صغيران كبيران.

عندها استوضَحت أمامي منارات الأخوة ، وتجلت لي معاني اللحمُ والدمُ الواحد، وبانت لي قوة حبل القرابة . كان الساعدَ المُعين، والعين المراقبة، وكانت الصدر الحنون و الفراش الدافئ الوفير.

الأخ وآهٍ من الأخ. ومَن غيري يعرف الأخ وفقده والحبيب وموته والعضيد واختفائه. جال فكري وانا بين السماء والأرض وسافرت ذاكرتي لتأتيني بصفحات من الحرمان لتقلبها أمامي لأقرأ فيها أسطر الألم وحروف الموت المنقطة بنقاط من دموع الكبد وجور الأيام و طعنات الزمان.

أخي الذي خطفته سِنارة الموت في طرفة عين ، أخي الذي سرقته مني يد المنون ، أخي الذي شاحت بوجهه عني رياحُ الحرمان. أخي وآهٍ منك أخي.  أخي ومن يفقه الأخَ إلا من أضاعه خلف سحب الموت السوداء.

أخي، بكيتك دما جفّ قلبي دماءه ، أخي بكيتك حسرة أحالت فؤادي جِلدا مدبوغا، أخي بكيتك و بكتك الليالي ظُلمة من غير بدر السماء، أخي بكيتك و بكتك السماء من غير لون ، أخي بكيتك وبكتك السحاب الثقال، أخي بكيتك وبكتك الأجنة في الأرحام ، أخي بكيتك واحترق الخد، أخي بكيتك وجفت البحار، أخب بكيتك وما سالت الأنهار.

أين روحك أخي ، أين أخي
واحر قلباه وا لهب عيناه.
ياسموات الرحمة أين أخي.
يا أراضي الطيب أين أخي.
يا كواكب ويا نجوم أين أخي.
يا حُراس السماء ،،،
يا بطاحي البيداء ،،، أين أخي

فقدته البيداء والصخور الصماء
فقدته الأشجار وفقده الجار.

سألني الصبح عنك ، واستفسر الضحى، وصاحت الظهيرةُ ليبكيك المساء،، ويحلف بالأيمان الغليظة بأن لا يرفع ثوبه حتى تعودَ شمسُك ويلمع سناء برقك. فهاهو هذا الأسودُ يلفُني بردائهِ ويُكفِنني بكفنه ويخنقني الحنين.

في القلب طعنه،،وفي الكبد طعنة،، وفي الفؤاد طعنة،، وفي الصدر طعنة،، وفي الظهر طعنة،، صُمتْ الاذان وفوقأت الأعين.

أتعلم أخي أن رقم هاتفك أصبح مع شخصٍ آخر ولم أفقده، بل اتصلت به واخبرته انني كنت أحدِثك عليه، فبكى وبكيت.

أتعلم أخي أنني زرت مكانك ووجدت غيرَك فأخبرته أنك كنت موجودا به، فبكى وبكيت.

أتعلم أخي أنني ارتديت ملابسك وأخبرتها أنك رحلت فبَكت وبكيتُ

أتعلم أخي أنني سألت فكري عنك فجلبك لي ، فبكى وبكيت.

لا أشد من الحرمان سوى حرمان ظلُك ، ولا أقسى من الوجد إلا عدم وجودك ، ولا أعتى من الفراق غير فراق بسمتك ..

واااهٍ لو أتحدث عن ذاك الثغر الباسم واللسان العطر والأعين الساحرة والقلب النظيف والفؤاد الصادق والفكر النيِّر والنيةِ الصافية لما وسعتني الأرض ورقاً والمطر حبراً

واهٍ أين أنت أخي.

احترقت واحترق ما بداخلي فأتتني مضيفة الطائرة بمنديل أجفف بها مقلةٌ ما فتئت تبكيك


.