نحو نظرة معتدلة.





لم نمتعض من زيادة الأسعار خوفا من فقرٍ أو خِشية هلاك، فنحن مؤمنون بأن الله الخالق الرازق المُحيي المميت، مؤمنون عقلا وفطرةً بأن من رزق أجداد أجدادنا سيرزق أحفاد أحفادنا كذلك. ليس هذا مربِط الفرس ولا بيت القصيد، ولكن كمواطنة بسيطة أرى أخي وقد جاوز الثلاثين وهو مازال يعمل على بندِ الأجور مع أنه لا يخلو من شهادة عالية، وابن أخي يستجدي علاجا، بينما المستشفيات فارغة، وقريبي سقط عاطلا في هاوية المخدرات، جراء الفراغ القاتل، بل وأرى المشاريع القائمة غير مُنجزة، كسراب في فلاة لا تنقطع، بينما هدرُ الملايين واضحا جليا لكل مُبصرٍ مُعتدلٍ بسبب انتشار الفساد واستشراء المحسوبية الجاهلية. 
نرى كل هذا وإعلامنا بكل جهالة يُصرح بين حينٍ وآخر بذهاب أموال فقرائنا لتنتثر وردا على رؤوس الآخرين بكل سخاء. هذا الفعل مقابل الواقع يُثير نفسَ أكبر "طربيل" في هذا البلد، فكيف بمن يُشارك أخاه همَّه، ويجوعُ من جوعِ جاره. 
للسياسة أمورها ولا بُد، ولكن لا ننسَ أننا في زمانٍ مضى كُنا نتبرع لأبعد بلاد الدنيا من غير ضجيج ولا مرسوم مُعلَن، داهية يُساير الأمور من تحت الطاولة فلا أثار شعبا ولا خسر حليفا. 
بالأمسِ القريب مُستشفى يحترق، جراء ماذا؟ قضاء وقدر لا يمتنع أبدا أن يوازيه إهمال وتقصير، ولكن من كان يعلم حال جازان قبل حمى الوادي المتصدع  ثم يراها بعد حمى الوادي المتصدع سيأمل أن الخير يكون في عطوف الشر. 
لكن لماذا ننتظر الكارثة لكي ننهض؟ أنحتاج إلى هزة مالية وحرب طويلة لنعلم أننا نملك تقصيرا في جانب من الجوانب؟ إن كان كذلك فما فائدة الخطط الاستراتيجية والمستشارين أصحاب البشوت؟ 
الجميعُ بالأمسِ يُنادي ويقول: عندما كانت الطفرة سمعنا بأنها ستعود بالرفاهية على المواطن، ومع ذلك ظل العاطلُ عاطلا، والمُستخدم مستخدماً، والمستأجرُ مستأجرا، والمريضُ لا يجد سريرا، ثم ولما أتى العجز أشركتمونا في تحمل الدين! هذا الألم وتلك الغُصة لا تحتاج إلى خبيرٍ مالي ليُعلنها على الملأ، فهي نتاج طبيعي لحالة واضحة، يقول المُتألمُ: لا نحتاج إلى عقلٍ جبار يُساعدنا في حل أزمتنا، نحتاج فقط إلى متابعةٍ لأمور الصرف وتتبعٍ لطرق الأموال، بأن نتأكد أنها فعلا تذهب إلى حيث قُدر لها، لا أن تختفي في محفظة مسؤول أو تحت بند تحسين أوضاع. 

ليأتِ أحد المطبلين ويُلقي نظرة سريعة مدفوعة التكاليف إلى مستودعات إحدى الوزارات ليجد الكثير من المواد التالفة من سوء الاستخدام والتي لو أحسن المسؤول الاستفادة منها لأشبعْنا لا سيسيٍ واحد بل مائة سيسي.