صه، وإلا لحقت بابن عبد الخالق.





تزخر عربيتنا بالأمثال ذات المعنى العميق والأسلوب الرائق الجميل والمغزى البعيد، وقلّما تجدُ نصاً عتيقا يخلو من حكمةٍ نفعت أو من فائدةٍ سارت في الأممِ مسيرَ الجذوة المشتعلة. ولكن في هذا المقام أستطيع القول أن الكثير لم يسمع بالمثل البديع القائل (صه، وإلا لحقت بابن عبد الخالق).

هذا المثل يا سادة قصته كانت مثيرة في وقتها، وعجيبة في حينها، نادرة من النوادر، أتى بها المُسمى (ابن عبد الخالق) وكأنه اعتلى منصب رئيس الجان أو عاشر امرأة الشيطان. ففي زمان موغلٍ في الخوف، قريبٍ في الوقت، مُتلَبسٍ بأساطير السجون والاعتقالات، قبل قيامِ الإسلام الحديث، وقبل أن يخلق الله العقل، يُطلِق عليه بعض المؤرخين زمن التروس، في ايحاء منهم إلى حركة التروس الميكانيكية التي إن تحرك ترسها الأول تحرك الثاني لا إرادة منه بل جبرا، والبعض الآخر منهم ممن يمتلكُ حس الفكاهة يُطلق عليه زمن رمي النرد. لا علينا يا كرام فما نحن بصدده هنا أن في ذلك الزمن وفي أقاصي صحراء "الغفْلَخُوف" كانت تجري ملهاة بين اثنين وعشرين دمية، ملهاةٌ مِلؤها السرور والوِد، يستأنس بمُتابعتها ستون ألفَ تُرسٍ، لها ضجة وهدير، قفزات وقهقهات، وبين هؤلاء كان صديقنا "ابن عبد الخالق" يجلس، في حربٍ مع اضطرابات النفس، تشدُّه تارة، وترخيه تارةً أخرى، تشتدُّ المعركةُ بين الدمى ويحمى الوطيس، دميةٌ تسقط ودُمية تقفز وثالثة تنزلق ورابعة تنهض، تزلزلت الأرض جراء المنافسة، الكلُّ يريد الغلبة، زأرت الجماهير مؤازرة، تُحيي حليفها وتهزأ من عدوها، جلجلةٌ شديدة تهز المكان هزا، جلبةٌ وضجيج،  زادت وتيرة الحماس، وقفت الجموع، تقطعت الأنفاس، وقف "ابن عبد الخالق"، صرخ، تشدَّق، امسك برأسه، ارتج قلبه، فارتج لسانه، فلتت كلمة نابية، مؤذية، ساباً مُدير وكالة الشؤون الأخلاقية والمالية المفوض لشؤون التروس. خُفس به أرضا، لمْ تعلم شماله أين يمينه، ولا لحييه أين لسانه، ظَلامات يتبعها ظُلمات، زار مساكن الشيطان خلف الجزر، وتدفأ بمواقد العذاب وراء الشمس. ومن حينها درج على ألسنِ العامة هذا المثل، يُطلقونه إذا تحدث أحدٌ في أمر شائك أو موضوع مريب له علاقة بحركة التروس فيُقال له: "صه، وإلا لحقت بابن عبد الخالق". فصهٍ أعزائي، وإلا لحقنا بابن عبد الخالق يرحمه الله.