عادل الطريفي ولعبة الحريوانية







يعتبر عادل الطريفي وزيرُ الإعلام من أكثر الوزراء المتجذرين الممارسين علناً للتوجه الليبرالي، والذين يحملون شعار حرية التعبير المطلق المنفلت من أي قيد، وشعار تقبُّل الآخر والبعد عن الإقصاء والتحزب والتعصب للذات، ومع حملهم لهذا الشعارات البراقة فالجميع يعلم أنها تُستخدم للإلهاء والتشتيت بعيدا عن كونها قاعدة عملية أو قانونا منصوصا. الأفكار عندهم أسمى من التخبط في وحْل الشخصنة أو التأويل على غير الظاهر، فهي مجرد فكرة إن وافقتها وإلا فهي باقية حرة مُحلقة.
وبعدُ، فالأيام دائما ما تكشف لنا عن عورات كانت مستترة، و"أنا" متضخمة حد التشوه، فإذ بهؤلاء مُجسمات تحمل تلك الشعارات لا غير، لا هي علِمت ما خُط عليها عوضا عن أن تُنزِلها واقعا عمليا ملموسا. القصة بدأت بعملية سطو شعرية من الوزير صغير السن في مغامرة لم يُحسب حساب لها، مُنطلقا من قاعدة لاواعية تستخفُ بالجمهور وتُقنع صاحبها أن الشعب لا يقرأ ولن ينتبه لسرقةِ أبياتٍ بسيطة من شعر أحمد شوقي، كانت عملية كشف السرقة فضيحة مدوية ولكن الإعلام المُستعبد الراضخ لأوامر ذلك الوزير تغاضى عن الواقعة بوقاحته المعهودة. علا صوت المثقفين منددين مستغربين ومن بينهم الأستاذ (حسين بافقيه) شارحا هو هذه السرقة شرحا علميا أدبيا أوصله إلى أن أقل ما توصف به قصيدة الوزير أنها "سرقة أدبية". رأى الوزير الطريفي أن هذا النقد ما هو إلا نيلٌ من الذات الوزارية، وتجاوز شعبي لخطوط حمراء فرضها طول الأمد وتعاقب السنين، فأمر وبجرة قلمٍ بمنع الكاتب "بافقيه" من الكتابة والتعبير وإبداء الرأي ولولا أن حبر القلم انقضى لاستمر بطلب قطع اللسان من "لغاليغه".

انكشف مستور الحزبِ المُرقَّعِ حامل الشعارات، المُقتات على موائد وزارة الخارجيات، الخاوي من كل حقيقة حتى عاد ينهش في ذاته. هو بدا في حقيقته الأنانية المُسيرة لا المُخيرة، تبدت عوراته من أثر رياح الواقع. ولكن هذا المنع في دخيلته يحتضنُ أكثر من إسكاتٍ لكاتبٍ أديب، بل هو في حقيقته رسالة لغيره من الكُتاب، فإما أن تُطبِّل لنا مع حمقى المطبلين وإلا فلا حق لك في العيش، هي رسالة عنوانها "وزير لا نحميه، لا نستحق العيش معه!"، فإن حَمقُتَ واخترت لقمة عيشك فاضربْ على الطبل وتراقص على أنغامِ ألحانٍ ابتدعها مسؤول. أمرٌ آخر مُلاحظ وهو أن معظم المُدافعين عن الحريات لم نسمع لهم صوتا أثناء الحادثة، مع أنها تمس أعظم قانون يُنادون به وهو قانون حرية التعبير! ومن وجهة نظر مختلفة فحادثة إسكات "بافقيه" فرصة سانحة لرأب الصدع وتقريب فجوة الشقاق الثقافي بين التيارين المحافظ والليبرالي، فالمحافظون يتفقون مع "بافقيه" ككاتبٍ نقدَ أحد وجهاء الليبرالية، والليبراليون الصادقون يتفقون أيضا مع "بافقيه" في حقه في ممارسة حرية التعبير المنضبطة، فلو استغل الطرفان هذا الموقف بكل قوة وذكاء لخرج من في السجون ولأمن البقية على أرواحهم من تسلط مسؤول صغير لا يعي تماما أين يخطو خطواته الأولى.