اصطفاف










استيقظ ليجد نفسه مرمياً في برميلٍ أصفر مصنوع من البلاستيك نتن الرائحة تغمره السوائل والقاذورات بجانبه تفاحة فاسدة وقلم ودفتر .
أرخى رأسه المتعب مع زفرة خرجت من صدره محاولاً استيعاب ما حدث قبل لحظات.

 أين كان... وأين أصبح...
تلمس جسده ..  تحسس بدنه..

لقد فقدتُ كل شيءٍ . . . قالها ودمع قلبه ينزفُ قبل دمع عينيه.

 كان حروفا متناثرةً في عقل كاتبٍ حذقُ الصنعة ،متقنٌ لها، مهووسٌ بالإبداع ،مواظبٌ على العبقريه. ثم وبكل أناقةٍ انسكب حرفا حرفا، على ورقٍ فاخرٍ ليبني قصراً من الكلمات ِالسهلةِ المنقادةِ الممتعةِ الباذخة.
خُلقَ واكتملَ على أتم خِلقه. تأزَّرَ بالإبداعِ، وتسربلَ بالجمالِ، وارتدى عباءة الفائدةِ والفضلِ والعموم .

كان يرى ما يملأ العينَ حسناً والنفسَ بهجةً.

برزَ من مكان نشأته مزهوا بنفسه. رافعا أنفه... يمشي مشية الخيلاء وقد ضم بين جنبيه الزاخرِ من اللؤلؤِ والياقوتِ.
وقبل يوم التمائمِ وُزِعت دعوات الاحتفال. وحضر المثقفون من كل حدب وصوب.
ولم يكدر صفوه في ليلته تلك إلا صريرُ قلمِ ذلك المبدع على صفحته الأولى قبل أن يصبح مِلكاً لأحد المدعوين.
وُضِع على رفٍ في غرفة للضيوف وبجانبه بعض بني جنسه وقد لفتت نظرُه تلك الكآبةُ الباديةُ على محياهم، والعمرُ الكبيرُ الذي وصلَ إليه أغلبهم ، بادر كبيرهم بالسؤال :
- لمَ أنتم هكذا؟
- هذا عملنا.
- عملكم إبداء الكدر والكآبة!!!
- لا، بل (الاصطفاف).
لم يتعبْ نفسُه في فهم ما يقولُه هذا العجوز.
نظرَ إلى هيأتِه وتفحص مكنوناته ودرره فوجد الخيمةَ والخباء...الأطناب والأعواد...الإبل والشاء...المساجلة والمنافرة...الحب والغرام...العفة والوفاء...الحداء والغناء...الصبر والبلاء...أسواق الشعراء...مواقف الخطباء...كلام الحكماء...الشتاء والمصيف...الصحراء والريف.

فعندها تيقن أن مستقبلَه مُشرق مُبرق، ومنارته تنير للقاصي قبل الداني.

استيقظ صباحَ أول يومٍ له على يدٍ أنثويةٍ خشنة غليظة تحمِلُه مع وسطه. وتُقلبُه ذات اليمين وذات الشمال.

نظَّفَتُه بخِرقةٍ بيضاء من غبارٍ اعتراهُ في ليلتِه الماضية ثم أعادتُه وولت عائدةً لمطبخها ،، لبصلها وقثائها.

جاءه صبيٌ صغير وأخذه من مخدعه .. كان مستغرباً أن يهتم به مثل هذا الصبي .

وضعه على الطاولةِ ...

وضع فوقه ورقة يرسم عليها. ولم يفتحه.

أشكلَ عليه فهم الحال، ولكنه فضل الانتظار على السؤال.
مرت الليالي و الأيام،

أضحت حياته ملل وضجرٌ وضنك وضيقة.
جلس مع نفسه وحيدا..واستحضر ساعة صفاءٍ واستعان بنظرة جلاءٍ.
استاء، وانتفض، حنق ثم غضب .. صعد الدم إلى قمة رأسه.
ألتفت حوله بعينٍ حمراءٌ لونُها
أحس سكان الرف العلوي بأن هناك زلزالٌ قادم.
صوَّت وصاح

زأر وزمجر
يا قوم

ما هذه الحياة التي رضيتموها ؟
اصطفاف فقط !!!
اصطفاف بالنهار واصطفاف بالليل !!!!
إن الأرضة عاثت فسادا بداخل أحشائي.

واحر قلبي على هذا الحال ,,,, الذي اضحى العيش فيه من المحال.

يرد العجوز...

-         انظر هناك ..

-         أين؟

-         جهة باب غرفة الضيوف....هناك
يدخل بعض البشر لصالة البشر ..
ضحكٌ ودخانُ سجائر وقواريرُ خمرٍ.
يقتربون ... ويلقون نظرة على مكتبة محشوة بمئات الكتب النظيفة من الغبار.
دنا احدهم أكثر
... جثا على ركبتيه
مرر أصبعه على ( حقائق الحق ) وجيرانه.
وجهه لم يوحِ حتى بالإعجاب.
انتصب وصعد بنظره للرف العلوي أخذ ( أوهام الهوام )...داعبه بيده...

وأُعجب بالصور.
سقطت سيجارة من المثقف الثمل.
شبت النيران.
احترق البيت.
احترق الرف.
احترق الكتاب.
انتهت حياته في برميل أصفر من البلاستيك نتن الرائحة تغمره السوائل والقاذورات.... بجانبه تفاحة فاسدة وقلم ودفتر.
تمت ..
 
 

خوف المستقبل.


 

قال لي: إن عمره مقسوم إلى قسمين : قسم يبدأ من لحظة مولده قبل خمس وثلاثين سنة وحتى قبل سنتين من الآن. والقسم الاخر يبدأ من قبل سنتين حتى اللحظة. والعجيب أنه لم ينتبه لهذا التقسيم الحقيقي إلا في هذه المرحلة من حياته مما دعاه لأن يصرح لي بهذا الكلام، وكأنه يرى نهايته أو نهاية خطٍ رسمه لنفسه وسار عليه فترة من الزمن وهو الذي كان متوقعا نهاية مغايرة لنهاية الطريق التي رآها الان.

للتو لاحظ أن نقطة التحول التي مر بها ولم يشعر، وكأنه كان يسير أثناء المرور بها في نفقٍ مظلمٍ أقحمَ نفسَه بدخوله من دون أن يتزودَ بالإضاءة اللازمة، تلك النقطة هي التي جعلت الجزء عنده جزأين ، والعمر عمرين .. ولكن إنزاله للسنتين في كِفة وباقي العمر في كِفة هذا يدل على شيء لم أعلمه حتى اللحظة منه.

مِن أن تنظر لعينيه حتى تعرف أن بها سرٌ لن تستطيع أن تفكه أو تحله, فكل من رآها قال إن بها الكثير من الحزن والوفير من الأسى. فبالرغم من ابتسامته الدائمة وضحكاته العالية إلا أنها خدعت وغررت بالألوف. وهو يحترف تزييف مشاعره حفاظا على مشاعر الاخر.

عاش فترة مع زهرةٍ  حتى شاكته بشوكها فعاف الأزهار وقاطع  الحدائق والجنان وجانب كل فردوس وروض. ثم عاد وبكل شدة وبأس ليقطف كل زهرة استطاع أن ينال منها ليسلبها رحيقها من دون أن يدوس برجله عليها، فقط أذاقهن مما ذاق.

كان يستمتع بمذاق الدمع المر الذي يُذَكره بألمِ الشوكة، حتى إنه قال ذات مرة وهل هناك مذاقُ حلوٌ يضاهي حلاوة مذاق الدمع المر.

ومع استمتاعه بحلاوته تلك أتى الزمن ليأخذ منه إحدى عينيه فتنازل عنها مغصوبا على أمره. ولم يملك إلا أن أعطاه ما يريد بداخل إحدى المقابر.

وهنا وبعد أن كانت معركته ضد الأزهار فقط ، اصبحت ضد الأزهار وضد نفسه. واستمرت المعركة وفي كلا الاتجاهين، وبقيَ مع هذا ضاحكا مبتسما مفتخرا بنفسه. كيف لا وهو الذي ينتقم لنفسه بإيذائه نفسه.

وبعد أن عاش حياة الجندي المحارب، ولحظات الضد والتضارب. وحياة الكر والفر. فإذ به يوقع اتفاقية للصلح ومعاهدة لوضع السلاح .

أضحى يستوحش الهدوء الذي يرى, والسكون الذي سرى. فهي ليست نقطة جديدة بل هي ذات النقطة المشؤومة وذات النفق المظلم، ولكنه لا يريد الولوج هذه المرة حتى وإن تسربل بالعدة والعتاد الذي سينير له الطريق.


 

كاتب مثقف أديب (عصري)





من مبلغُ كُتابَ الصحف أنهم يهذون بما لا يفقهون وأنهم في كل واد يهيمون وفي كل دَرْكٍ يتخبطون. تصفحت صحفَهم وقلبتُ جرائدَهم وتعمقتَ في أعمدتِهم فلم أجد إلا عُجمةً في اللسان وعاميةً في الإسلوب ونفسي اشتاقت لحرفٍ عربي ولو كان أعزب.
تمنيتُ أن أمتلك ذلك القلم العريض الذي يستخدم في الصفحة الأولى لكتابة العناوين الرئيسية لأكتب ( توقفوا، من فضلكم ) فقد أفسدتم ذائقتنا وأدخلتم علينا ما ليس منا وأعميتم عربيتنا بأعجميتكم.
يسِمُ زاويته بوسمٍ رنان ثم يفرِشها بالغث الرديء الدنيء السافل النتن الغريب، فكلماتها غريبة وأسلوبها عقيمٌ ملتويٌ على الفهم، يستطيع ابن العاشرةِ أن يقولَ أجود مما قال فارشُها. فهو لم يقم بأكثر من صفِ كلماتٍ نكرةٍ بجانبِ بعضها البعض، فكيفما بزغت أمامه وضعها .. ومثلما نطقها طبعها.. ذوقه فاسد، وخياله شحيح. يسرح بنا في أرض قحلٍ مُقْشَعِرة.
أيا كاتب: البيان ليس رغيف خبز تشتريه. بل نَطْقٌ ليس كما النَطْق فهو منطوق بالقلب قبل اللسان مكتوبٌ بحركةٍ تبزغ من داخل النفس بلا تكلف ولا تعمُّل مثلما يصدر الصدى عن الصوت والشعاع عن الشمس. فالاضطلاع بأساليب العرب شيء جميل ومحبب للنفس، والزيادة في المحفوظ من اللغة هو زيادة في طول اليد لتناول ما تريده النفس من معاني.
ومن المحزن المبكي أن دأبكم واحد، ومسلككم بات معلوم، وحرفكم أضحى مكرر. لأن من ولج من هذا الباب وغاص أعماق الصحافة، وامتلك عمودا فيها فهو يعلن بهذا تنازله عن هواه وفكره. فهو مع تيار الصحيفة شاء أم أبى، متماشيا مع فكر أصحابها وسياسة مُلاكها. فإن أرادوه معارضا نصَّبوه، وإن أرادوه مادحا أخبروه.
حسنا لا ضير:
 تيارٌ أو حزبٌ ويريد أن تشم حنجرته الهواء وترى النور كلماتُه وصوتُه وهذا من حقه، إذن فاختر الطريق الأجود وترفع عن الوحل والطين. فبهذا قد تبلغ ما هو أبعدُ من الهدفِ المرجو.
أقرِئْني عملا من أعمال الذوق المنثور الذي ما إن يلامس أذني حتى أشعرَ بك بجانبي تُحدثني وتُفضي إلي ما في نفسِك. لا تقل ماذا أكتب اليوم؟ فتهرب منك الأفكار ويحل محلها السباب والشتام وكيف أُرضي هذا وأُسخط هذا.
انزعْ عن المجتمعِ طبقة الغبار الذي تراكم مع السنين والأيام. وأره خيالاً يُهَيجُ وُجْدَه ويُطربُ سمعه على فطرته وسجيته. فتجد في نفوسهم أثرا مما كتبت. ولست أتحدث هنا وأنا معتليا منبر السؤدد أو رقيب الله على خلقِه، فكلنا خطاء وأنا أكثرهم مع كثرةِ حرصي. ولكن زلتي لن تُقَوَم وأنا أرى شخصا لُقب بالمثقفِ المفكر الأديب الكاتب الصحفي اللغوي مالك الحرف وأمير البيان وهو يكتب ( كان خالداً مريضٌ، فأكل محمداً سفرجلٌ).

رسائلٌ لا تحتاج لساعي بريد.







قلت:
في الحرب رجالٌ يقاتلون رجالاً من أجل رجال, وأنا من أجلك حملتُ في يدي عشرين سيفا مقسمةً في كل إصبعٍ اثنين. أُجندل فيها الخصوم حتى لا يُرى إلا رؤوساً تتطاير وأشلاءً تتمزق. فالحرب لا معنى لها إن لم تكن من أجل النساء، ومن أجل الحب وأنت هي سيدة النساء وملكة الحب.
*************
قالت:
المرأة مرأة حتى تجد عاشقها وتهوى هواه وتُغرم بغرامه، فتطير بين الأكوان ناثرةً عَبَقَ الحب والحنان. محملةً بورد الهدى والسلام. وترسمُ لوحة الخلود بريشة العاشق الفنان . فأضحى للزمان وجودا، وللمكان وجودا، وللحياة أيضاً وجودا.
****************
قلت:
عندما يزورُني طيفُك الفتان متسللاً من بين النوافذِ والأبواب مع أضواءِ الصبح المشرق الزاهي فإن النفس تسكن، ولوعة الأسى والحرمان تخمد، والحزن يهدأ ويفترْ، وتفِرُ الهمومُ وتهربُ الآلام على موجةٍ من أمواج الزمان لتحط رحالها على سواحل النسيان  فالصبح الذهبي لا يرتدي لباساً من النحاس الرديء.
*********
قالت:
العشق رغبة فطرية ونزعة بشرية ولكنه في جوارك وحماك سموٌ للروح يغادر بها للأعالي ويصعد في درجات السماء.
العشق منك لذة ملائكية وحياة أبدية.
وما العشق لغيرك إلا قتلٌ للروح ووأدٌ للفرحة وإهلاكٌ للحياة .
***********
قلت:
ألحان جمالك الفتان ، تُطرب وتُرقص . هادئة ناعمة . تُنعش الفؤاد وللجرح كما الضماد وتجعل الأيام أعياد.
أنتِ الحنان والحُنو والعطف والرقة والروح والراحة والفرح .
يا حرَّ قلبي منكِ إن هجرتِني فأنتِ عندها بلا رحمة وإن تركتِني فأنت بلا رأفة.
**********
قالت:
قصة حبنا قصة حبٍ لا يقرأها الحبُ حتى يشتاق للحبِ.
الحرف مني يحضن الحرف منك واللفظ منك يعانق اللفظ مني، ولا يراها إلا قلب عاشق وقلب عاشقة استعبدهما الهوى وكلِفَ كِلاهما بالآخر أعظم الكَلَفْ.
فكلمة الحب لن تجد لها مخبأً إلا خلف شفاهك وبين ثناياك فمبسمك يمتنع إلا أن ينطق بكلمة تليق بذلك المبسم.
************
قلت:
أرى الحياة من دونكِ دون ما تعنيه، فليس بها من الجمالِ إلا ما تجودين بهِ عليها.
وأكثرُ من هذا،، فأنتِ فلم تزينيها فقط.
ولم تجمليها فقط.
ولم تغمريها وتزيديها بهاءً وحسناً فقط.
بل أنشأتِها إنشاءً.
تُلبسين المغتربَ لباساً ينسيه حنين وطنه.
وتسقين الطفل حلوا يُذهلُه عن حليبِ أمه.
فسحرك يكمنُ في ثغرٍ خالٍ من العيوب وفي جمال الابتسامة وفي رائحة القرفة والزعفران المنبعثة.
ضاحكة لعوب .دلال ودلع وغُناجٌ لا يتجنبه أريبٌ ولا يكابر عليه حادُ فؤادٍ.
*********
قالت:
حبيبي..مهجة قلبي وفؤادي.
 أنت خلودي الذي لا يفنى ولا ينتهي.
أعاهدك بكل الألم الذي نهيتَه عن وصالي.
أعاهدك بكل الشقاء الذي منعتَه عن قربي.
لكل بؤسٍ وضيقٍ وشدةٍ أبعدتها عني .
سآخذك معي وحدي لما وراء الطبيعة وإلى ما وراء الحياة.
لأعيش معك روحانية الحب وقدسية الأرواح.
فقربُك مِنحة وبُعدك ضرر.
وقلبِي أَحبك وما كذب .
***********


رفقا بالرجال*




شبابنا، رجالنا.

هل فيكم فِلقة شهامة؟

أو شطر فحولة؟

وكأني بكم أحببتم الدعة والطفولة.

أين النواصي المعقودة والآمال المأمولة؟

أين دماء الرجولة؟

هل خالطها ماء آسن؟

فحُلِل  للأرض ابتلاعها.

لماذا الخنوع والذل والهوان؟

تركتم الذروة واخترتم القاع.

في ظل مجتمعٍ نسائي ظالم مستبد مُظلم قاتم.

سَلْب حقوقاً وأهان كرامة.

قهرٌ انثوي يمارس ضدكم.

قمعٌ ظاهره الدلال وباطنه حقدٌ دفين .

إذلالٌ منهن يوازيه رضى منكم.

هو الخوف الجاثم على قلوبهن خشية نجاحكم.

الأنثى اعتادت النجاح.

وألفة السيادة.

وتمسكت بالسلطة

واستحوذت على المال والجاه منذ الأزل.

وعندما حميت دماؤكم ودبت فيكم حياة الأنفة من جديد

وكنتم أضواء تدفع الظلام للمطالبة بحق مسلوبٍ وكرامةٍ ضائعة.

مارست هذه الأنثى عبر الأزمان والقرون سُلطة قمعها لتربضوا في مرابضكم.

هونا وذلا وخضوعا.

جَيرتْ كل قوانين الطبيعة ضدكم أيها الضعفاء

تتحكمُ بمجرى السيل فيسقط كشلال هادرٍ على رؤوسكم.

تعاضدن وسيرن الدنيا كما يشأن لمصالحهن وشهواتهن.

أما أنتم.

فأُختزلتم في شهوة.

وحُوصرتم في نشوة.

وأٌكممتم برشوة .

عملكم، الحفاظ على بقاء جنسهن.

تُهينكم صباحاً. لتركب فوقكم مساءً.

وأنتم حاملو رؤوسٍ بداخلها حفنة تراب.

تَسحر لبكم بطراوة نهديها، وتُسكر عقولكم برضاب ثغرها.

وتهد قوتكم بإمتصاص مُصاصَتِكم.

أجيبوا ( لا عافاكم الله )

 هل لكم أن تذهبوا للقضاء لأخذ حق- قد سُلب منكم بقوة القضاء نفسه- بل وكيف ستقابل القاضية لوحدك من غير محرم.

أخبرني يا رجل:

هل تستطيع أن تأخذ حقك في التعليم وسط مناهج لاهم لها إلا الحيض والحمل ومواعيد الدورة الشهرية، وماذا عليهن أن يفعلن في تلك الأوضاع وتلك المواقيت! وقد تناسوا عن عمد تعليمك وما يجب عليك القيام به، فيعتذرن بأن الفطرة كفيلة بالتعليم والتدريب، مع أنك أنت صاحب الفضل عليهن ولكنه جبروت المرأة وطغيانها المستبد .

هم نسوة حرموك أبسط حقوقك يا مسكين .

حتى الحب . ليس لك أن تحب إلا  بإذن .ولا تكره إلا بإذن.

أما هن فالدنيا ملكهن، فيحببن ما يشأن، ويتزوجن ما يشأن، ويحتضن ما يشأن

وأنت الحب في شرعك محرم محظور.

هل تناسيت ماذا فُعل بك عندما ذهبت للمستشفى فلم تجد إلا طبيبة تنتظرك. وعندما طلبت طبيبا ذكرا طُردت من غير علاج . فهن يردن أن ترى منك المرأة ما لا يحق لها أن تَرى .

كم من صرخة سمعناها ولم نسمع صداها.

بعد أن قُطع لسان ناطقها.

الصحف ملأى بأخبار الأحرار من الرجال الذين دفعوا حياتهم ثمنا للحرية .

هؤلاء هم الأحرار أما القابعون وراء خدورهم اللاهثون لخدمة الأنثى بإسم العادات والقوامة فهم عبيدٌ عبيدٌ.






* الدنيا دواره.

أهم امرأة في حياتك .




في حياة كل منا - رجل كان أم أنثى - امرأة أولى.
وسيدة ذات سيادة.
يأتمر بأوامرها
يرضيه ما يرضيها ويتذلل عند أكعبها

كلامها رضاب
وحنانها حنان
في صدرها الأمان
وفي حضنها اطمئنان

خفقات القلب تخفق لها و بها.
لها العمر لو كان ساعة.
ولها الوفاء دون غيرها.
في بعدها نذوب فناءً.
فالحب دائما شاذا مع غير قلبها.

حبك لها لا يعرف شعور الألم فعطاؤها دائما الأكثر.
امرأة فضلها على النساء كفضل القمر على سائر النجوم.

الأم لها فضل ومنة
ولها الحب ، ولها شغاف القلب .
حبها زيادة مطردة وحب غيرها نقص مستمر.

الأشواق إليها . والأفكار فيها.

جنة عرضها كعرض السماء والأرض تحت قدميها.
ولن تنال الرفعة والعزة إلا بتمرغك تحت تراب أقدامها.
تتمرغ أكثر ترتقي أكثر هذه معادلة السعادة الحقة.

لم أرى سعيدا في حياته إلا وله قصة برٍ بأمه.
ولم أرى شقيا تعيسا إلا وعليه فاجرةَ عقوق.

كان ابن الحنفية يغسل رأس أمه بالخطمي ويمشطها ويخضبها.
والحسن بن علي لا يأكل مع أمه،فقيل له في ذلك، فقال (أخاف أن تسبق يدي يدها).

وإنه ليجرح القلب ويدمي الفؤاد أن ترى شبابا لا يلقون بالاً لأمهاتهم ويرون أن برها ليس من لوازم الإيمان مع أن عقوقها من كبائر الذنوب.
تناسوا وتغافلوا فضلها ومكانتها وتعبها وحملها وتربيتها وسهرها وسهادها .

وكان السلف يرون أن غلبة الأم بالحجة عقوق
والمشي أمامها عقوق.
وإبكاؤها عقوق.
والتحدث في حظرتها عقوق.

هي مهجة القلب وثمرة الفؤاد.
حبك لها يطغى وعشقك لها لا ينقص ، هذا هو الواجب.

هي بدر ليلك ونور دربك وسراج بيتك ،فلن تجد دليلا مرشدا في طريق حياتك أرشد من فضل دعائها لك . 
اجعلها تاجا على رأسك تَسُد.
وبُرها تَظفَر.

عقلك وهواك لأمك.
حلمك لها وغضبك لغضبها.
إخلاصك وسخاؤك وشفقتك ومداراتك لأمك ثم لأمك تنجو في الدارين وتفرح بما أتاك الله من فضله.




شكرا أستاذ رشيد على منحي ثقتك الغالية وشكرا لصاحبة المبادرة الأخت ليلى صباحي .


مفتي ذو ذمة واسعة.







مبدأ النصيحة للحاكم متفق عليه عند أغلب فقهاء الإسلام واعتبروه بابا من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وجور الحاكم هو نوع من أنواع المنكر الذي يجب فيه المناصحة حتى تتم إزالته .

وعلى أهل الحل والعقد وعلماء الأمه توضيح المنكر للحاكم والذي قد لا يعلم بوجوده أو يعلم ولكن لا يراه منكرا وذلك باللين واللطف والرفق وهذ منهج ربانا عليه قائد الأمه وخير البريه محمد صلى الله عليه وسلم .

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قواعد فقهية عامه منها درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وتحمل ضرر أخف لدرء ضرر أكبر وغيرها من القواعد الأخرى التي لا تخفى عن العلماء والفقهاء .

وفي ذات الوقت فمداهنة الحكام وإقرارهم على كل ما يفعلوه لهو الظلم والمفسدة . فأصبحت درء المفسدة تجلب مفسدة . وخاصة في أمور يراها العامة من الشعب تصيبه، فلا يؤولها بغير الظلم والجبروت والقهر.

قلت هذا بعد أن قرأت اليوم تصريحا لمفتي الديار السعودية والقابع في أعلى هرم المؤسسة الدينية في البلد والذي يقول فيه ( الدولة لا تظلم ولا تقبض على أحد عبثا )

وهي جملة عائمة لها من المعاني الكثير لذوي النظرة الثاقبة ولها أيضا ثقلها بثقل منصب قائلها . ولها توقيتها الرائع المبني على كثير من الأحداث الحالية والمستقبلية .

فكلمة ( الدولة ) بحد ذاتها كلمة لها الكثير من المفاهيم فهي تطلق على كامل الأنظمة والمؤسسات الحكومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية فهذا كله ( دوله) .

لا أعلم ما كان يقصده سماحته من اطلاق كلمة ( الدولة ) ومهما كان المقصد فهناك ألوف العاملين في هذه المؤسسات . ولا أرى هنا إلا اتساع في الذمه ونقص في الأمانة وتخريف في إطلاق هكذا كلمه.

دولة لا تظلم أي بمعنى أنها دولة تضع كل شيء بمكانه . فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتعدي عن الحق إلى الباطل، و ظلم فلان حقه : أي غصبه أو أنقصه إياه. وهو انتهاك لحق الآخر عدوانا.

فلو سؤل أي شخص غير عالم عن الظلم وهل ينطبق في زماننا هذا وبلدنا هذا لما تحدث كما تحدث رجل درس على يد ابن باز ومن أحفاد محمد بن عبد الوهاب .

وأنا أرى أن حديث سماحته لهو ظلم وجور على نفسه . فقد ظلم نفسه أشد الظلم وأقعد نفسه في غير مقعده، مهما كانت التقية التي يمارسها في الباطن نتيجه قهر أو خوف يواجهه من إنسان أخر .

لو أن سماحته نظر من خارج نافذة قصره لرأى أن كل شيء في غير مكانه . بدأ من أصغر المشاريع الفاسدة وما فيها من ظلم وجور و مرورا بالاعتقالات والسجون المليئة بالمظلومين وتكميه الأفواه الصادقة والتصفيق لكل ناعق كاذب متحرر من ذمته و أمانته وصولا إلى هرم السلطة وتوريث المناطق والوزارات بين شخصيات محددة وصنع مؤسسات ماليه عملاقة لأصحاب النفوذ للسيطرة على المال العام . وربما أدرك أنه حتى هو ليس في مكانه .

أليس هذا من الظلم يا سماحة المفتي .

في جنوب المملكة هناك قرى ما زالت متأخرة عن الحضارة مائة عام . لا يملكون اصغر مقومات الحياة . لا منزل ولا مؤى ، يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء .

أليس بظلم هذا .

ولماذا نبتعد . ألم تزر حي السليمانية الذي يجاور قصرك . لا بد أنك سمعت عنه وعنهم وعن الظلم القابع على رؤوسهم . وكيف مُنعوا من الماء والكهرباء طوال عقود من الزمن .

اغتصاب الاراضي في مكة وغيرها من المدن . أليس بظلم هذا .

التوظيف الوهمي لشخصيات وهمية. أليس بظلم .

اعتقال المشايخ والعلماء ( تلاميذك ). أليس بظلم .

نشر الفساد والرذيلة بشتى الأنواع والسبل . أليس بظلم.

السكوت عن الحق . أليس بظلم .

تدمير قوى الشباب والفتوة. أليس بظلم .

الاحتكار والغلاء والربا والرشوة والفساد الاداري والمالي . أليس بظلم .

كلامك . أليس بظلم .

تخل عن درسك اليومي في مسجدك وانطلق في أنحاء مملكتك لترى العدل والإنصاف الذي ألبسْته ( الدولة) لترى العجب العجاب. فكم من شخص مات من البرد والصقيع وكم من شخص اضطر للسرقة لإطعام أطفاله . وكم من شاب انتحر ضنكا ونكدا وحنقا من ضيق ذات اليد .

ولكنك صادق في أنها لا تلقي القبض على أحد عبثا . فالذئب لا يهرول عبثا.

 

ياسماحتك ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) آيه 18 من سورة (ق).. وفقك الله .