مؤامرة تأنيث الأسواق






كثر ترديد لفظة ( المرأة ) في الأيام الأخيرة حتى أصبحت نقطة ارتكاز الكون. ولكل متحدثٍ نظرته التي يقصد من خلالها الوصول لهدف رسمه لنفسه.

السؤال: كيف لمجتمع إسلامي محافظ أن يسمح لرجل أجنبي بأن يبيع الملابس الداخلية للنساء؟

بهذا السؤال أعزائي بدأت حملة شعواء لتأنيث العمل في الأسواق، فضرب على وتر الرجولة وأثيرت به الكرامة. ولكن هل وراء الأكمة ما وراءها؟
سأترك الإجابة الآن؟
وأتساءل هل في عمل المرأة في الأسواق تكريما لها كما يذاع أم امتهان لكرامتها وأنوثتها؟

الموضوع أكبر من أن يجاب عليه دون النظر لأكثر من جانب؟
إذا كانت النظرة المادية هي العنصر الأساسي فالإحصائيات تثبت عكس ما نأمل، وخاصة أنها تقول بأنه خلال السنة الأخيرة زادت نسبة عمل المرأة وقلت نسبة أجورهن إلى متوسط يبلغ 2613 ريال، فهل في هذا الأجر تكريما لها؟

وبالنظر للجانب الإجتماعي فالصحف والمحاكم مليئة بجرائم التحرش والإغتصاب والتعدي على الأعراض. فقد استغلت وزارة العمل حاجة الفتاة المسكينة مع العزف على موال الفقر والحاجة بعد أن مورست ضغوطات العطالة لحاملة الشهادة ثم أقنعوها أن هذا هو الطريق الوحيد والحل الأمثل.

هل هناك عقود عمل قانونية بين الفتاة وبين صاحب العمل يكفل حقوقها كاملة؟ أم أن مديرها يخصم من أجرها متى شاء وكيفما شاء؟

أعزائي، كلنا نريد للفتاة الخير ونرغب في أن يكون لها عمل تقتات منه في هذا الزمن الصعيب، ولكن ليكن في بيئة آمنة شريفة طاهرة تعلي مكانتها وترتقي بنفسها.
عمل المرأة الحالي يَكلمُ القلوب الغيورة ويؤذي النفوس الطاهرة وتحتالمجهر نراها تنفيذ لأجندة خارجية واتفاقيات دولية لإخراج المرأة من خدرها فقط.

دعاة تغريب المرأة يعملون بإحترافية وبإتقان ممنهج ويزرعون في قلوب الفتيات بذور الشك في المعتقد والأخلاق ونزع الثقة في النفس لتكن كالصلصال يشكل كيفما شاؤوا. قانونهم نحافظ على المشترية بتدمير البائعة، إذ كانت تختلط بالأجنبي (عشر دقائق) فأضحت تختلط به (ثماني عشرة) ساعة وهي ساعات العمل. فإن كانوا صادقين في دعواهم فلمَ لم يقتصروا على محلات العطور والمكياج والملابس الداخلية ولمَ لم يؤنثوا إلا المجمعات الكبيرة فقط؟ لماذا تؤخذ الفتاة من بيتها لتمارس العمل فورا من غير تدريب وتأهيل بأبسط أبجديات المهنة؟ فبائعة العطور جاهلة به وكذلك بائعة المكياج وغيرها. لماذا لا يؤمن لها وسائل المواصلات اللائقة التي تكفل لها راحتها كمثيلتها الأجنبية؟ ألسنا نرى حافلات النقل المخصصة لنقل الممرضات الأجنبيات من مكان إقامتهن إلى مقار عملهن؟ فلماذا فتياتنا يمنعن منها؟

المرأة السعودية لها خصوصيتها ( إلا من أبت ) فاجعلوا لها ضوابط للعمل وتنظيم جيد يليق بها. فوزارة العمل طبقت القرارات من دون أية دراسة له ونظرا في احتياجاته.
تأكد أيا حاملا ( للشنب الكبير ) أن ابنتك واختك العاملة ليست بمنأى عن تحرش الرجال وأعين المارة وأنها تخضع لقانون وزارة العمل الذي يقول كلما زادت فتنتها وتبرجها كلما ارتفع اجرها ونالت أعلى المناصب.

أنا لا أتحدث هنا عن النوايا بل شيئا شاهدته ولمسته وأصبح ظاهرة واضحة جلية.
وأخيرا، هناك سؤال يتردد، لماذا هذا التوظيف السريع للمرأة مع غظ البصر تماما عن أخيها الشاب؟ أليس من الأولى توظيفه فهو المسؤول الأول والقائم بشؤون المرأة؟

وكأني أرى نتيجة هذا التخبط المتعمد بعد عشرين سنة والشباب على قارعة الطريق وفي المقاهي يتعاطون المخدرات وإبر الهيروين والفتاة تعمل نهارا في الأسواق وليلا في أماكن الدعارة لتعول نفسها وأخيها.

أعزائي من بادره ذرة شك فيما كتبت فعليه بالتوجه إلى (سيتي ماكس) الدور الأرضي مركز سماح سنتر وليبحث عن إجابة لسؤالي الذي طرحته في بداية مقالي هذا.



المقال الأصلي
http://www.jblnews.com/articles.php?action=show&id=36

لحظة زمن .






تهرولُ عجلةُ الزمنِ جارّةً معها قتيل (أمسٍ) القريب لتغتال (حاضر) هذه اللحظة وترسل نذيرها بهديرٍ يُفزعُ (غدا) المستقبل. قد نراها ومضاتٍ سريعةٍ أو لحظاتٍ نشاهدها كما نشاهد فيلماً يُكرّ مسرعا. ولكنها أثقل من ذاك وأكبر، وأدهى وأمر .

لحظةُ زمنٍ، كانت وعاءً لأصدقاء عاشرناهم وأحباب ألفناهم وأماكن اعتدناها وحارات سكناها ومنازل هجرناها.

لحظة زمنٍ، تُذيقك عسلاً مصفى، وتُهديك ورداً مُنقى، وتُسقيك ماءً عذبا، وتُلبسك الحرير ناعما، ليسكن قلبُك ويهدأ طمعُك ثم تنتزعُ روحَك وتبتعد.

لحظة زمنٍ، تموتُ وتفنى فلا تعود إلينا، فما إنْ تغربَ شمسُها حتى تقتُلَ نفسها وفاءً منها للحظة زمن أخرى.

لحظةُ زمنٍ، تحفرُ بداخلِك أعماق المحيطات، وترسلُ أمواجَها فتتلاطمُ تلاطماً يبعث الوحشة في جوفِك عمن فات عنّا واختبأ خلف جدران الموت أو غيبة الأيام.

لحظةُ زمنٍ، تعتريك بظلمةٍ كظلمةِ الليلِ البهيمِ وغموضٍ أشد من غموضه، فتضيع منك الاتجاهات فلا تدري أسهلا سلكت أم وعرا؟ أوطئت رأس جبلٍ أم حللت بطن وادي؟ فيقف النظر عاجزا والعقل حائرا والسمع ميتاً.

وقد كنت أسمعت لو ناديت حياً..... ولكن لا حياة لمن تنادي .

لحظةُ زمنٍ ، تُختزل عندها تفاصيل الحياة المليئة بالأسرار والأحداث ولقاء الأعداء ومفارق الأحبة في مساحةٍ محدودةٍ أمامك. تلك الحياة التي حوت الوجود كله وضمت بين حناياها كل أشعةِ الفجر السعيد ودوّت كلماتُ الحبِ والهيام بين جبالها فتَسمع لصداها نغماتَ مزمارٍ تسري مع هبات الهواء الساكن حتى تقرع جدران القلب قبل أبواب الأذن.

لحظةُ زمنٍ، ترتحلُ أثناءها مشاعر النفس وأحاسيس الوجدان وخلجات الروح من عالمنا فتَحتضرُ الفرحةُ وتخفتُ البسمةُ وتُسدل الستائر على فصولِ المرحِ، ولا يبقى إلا أنها كانت مجرد لحظة زمن.
لحظةُ زمنٍ، فيها نحفرُ القبور، ونغرسُ السهام بداخل الصدور، لننتزع القلبَ ونواريه تراباً مبتلاً بدماء العيون، ثم نغفو بعدها غفوةَ من لا يريد الاستيقاظ، هروباً من سهامٍ قد انغرست في أحشاء القلب وأشبعته موتا بغد غُصة.

لحظةٌ زمنٍ، تُعد في قياس الزمن كشعلةٍ أُوقدت وأٌطفئت في اللحظة ذاتها، ولكنها في الصدور كعمر الكون وطول الزمان. فهي لحظة لا تعترف بالحقيقة كطول وثقل ليل الشتاء على المرضى مع قصره وخفته على العشاق؟
فهي كذلك كالصخرة الصماء السوداء، تسمع من تحتها أطيط الضلوع ، فلا أنت أزحتها ولا أنت تحملتها .

لحظةُ زمن، تجعلك تعيش منعزلاً في ثبات دائم، لا مد ولا جزر، لا شروق بل غروبٌ دائم ، تتلكأ في تنفسك ، تهمس في سمعك: ( اهدئي لا أريد أحداً ، لا أريد نَفَسَاً ، أكملي حياتك أيتها النفسُ بدونِ صوتِ هذه الأنفاس المزعجة)


فترضخ لك ، وتمتثل لأمرك ، فتتوقف الرئة ويغضب القلبُ فيُعلن عصيانه ويُضرب عن العمل ، وتُغلقُ الأجفان لتنتهي معها لحظة الزمن . 


بعيدا عن الريبة.






جميلة هي لحظاتي بجانبك، نرشف من رحيق الهدوء، ونحتضن الأمل السعيد تحت رداء البسمة الشفافة والحب الصافي والعشق الأبدي.

نتناسى مرارة الماضي البائد ، فهو واقعٌ ميتٌ لا روح له تمشي بالطرقات. فلنجليه عن صدورنا و ونطرد خياله بعيدا عن أرواحنا، ونفرش القلب من حلو اللحظة وعذوبة الوقت و نُجمله برائحة الأنفاس الزكية.

فلنعش بداخل أنفسنا، ونلبي احتياج أرواحنا ،ونوردها موارد الكلأ الربيعي الزاهر، لتنشأ ربيعية الهوى، ملائكية الطباع، ولندع ما يهلكها من عيش الصحاري التي لا نملك منها ذرة رمل.

الأوهام قد تحلق بنا في السماء وتقعدنا على أرصفة الجوزاء لنلاعب من هناك طائر النورس الجميل، ونزيح بأكفنا رذاذ السحاب عن خدودنا ونرى الأرض زرقاء كأنها السماء. ولكن الوهم يتبدد والحلم تقتله اليقظة وما كان يُعاش ويُلمس يهرب وكأنه السراب، فنصحو لمعالجة جراح الحرمان الغائرة، ومداواة القلوب المكلومة، ومعاقرة الألم القاتل.

لحظة الحقيقة هي الحقيقة الأبدية والماء الزلال والعبق الطيب الذي لن يزول، وإن زال -وهذه قدرة الخالق- فسيبقى أثرها واضحا جليا كالشمس، تُنيرُ الكون وتبعث الدفئ ..

لحظة الحقيقة قد تُرى من أكثر من جانب ، فإن لم تعجبك من جهة المغرب فأدر نظرك وانظر لها من جهة المشرق، وحتما ستبهرك وتنال رضا نفسك ومبتغى رجاك.


جميلة هي حقيقتي بجانبك مشرقةٌ مقبلةٌ غير مدبرة.





نُورك في ظلمتك .









في صدري ظلمةٌ يا ليلُ.
أيا ليلٌ ينير بظلمته لآلي النجوم.
ويُكحل بفنِ رسمِه مُحيطَ القمر.
ليلي الطويل.
ليلي العميق.
ليلي الأسود.
ليلي يا ليل العاشقين.
ياليل الفجّار المخمورين.
يا ليل المظلومين .
يا ليل الفقراء والمساكين.

ألست يا ليلُ تلفُ العشاقَ تحت كنفك؟
ألست يا ليلُ تُلهمُ الشعراءَ أجزل شعرك؟
ألست تحرس الأطفال في مِهادهم وتُنزلُ  السكينةَ على آبائهم ليهنئوا بالعش الدافئ والعلاقة المقدسة؟
ألست تتألمُ مع الآهات والونات؟
ألست تبتسمُ لتبادلون القبلات؟
ألست تحارب النار لتعود كل مساء؟
ألست تشجو بألحان النوم ليهنأ النائمون؟
ألست ترسل أحلام السعادة لتلقيها في أفئدة التعساء؟
أنت رجاءٌ يأخذُ بأبصارنا في عمق ظُلمتك لتتخطى بنا الحدودَ بأجنحةِ البصيرةِ التي تَرى مُغمضة الجفون.
أنت سكينةٌ تلُفنا بدثارِ الهدوءِ لتَصدَ عنا ضجيجَ النهارِ وصوتَ الغضب.
أنت رحمةٌ تمنحُنا درعَ الأمانِ المُتكسر عليها سهام قسوة الزمان.
نسماتُك أيا ليلُ ذات الرقة تحملنا بريشة الأحلام الوردية فوق أودية الثعابين السامة وجبال الذئاب الناهشة لتمرح بنا بين المروج الخضراء المنصته لهمس القمر.
تحت دثارك تَهِيجُ عواطف المحبين وقلوب الذاكرين لله، الموحدين له .
كنتَ مُؤنسي حتى أزحت عن كاهلي خُرافة الخوف التي تُحاك ضدك. وأبدلتها بطمأنينة أطيب من طمأنينة طفلٍ بين أحضان أمه.
حبيبي أجمل، وجأأ  أجملُ مكتسياً دلال السحاب الراقص في سماء ظُلمته، لتكون له أنت مسرحاً راقصاً تُصفِقُ له النجومُ والكواكب .

للجبال لطفٌ لا تبديها إلا وأنت تحتضنها تحت ساعديك، وللهواء حُنُوٌ لا يبذله إلا تحت وطأة قدميك .

يتكاتف البشر نهاراً لبناء قصورِ الوحشة فوق أسوار المقابر بحجارة الاستعباد، وأتكاتف معك لبناء معابدَ الروح فوق قمم التجلي والخضوع لرب السموات.
فيك تتغير ملامح العشاق و تنحجبُ قتامة الوجه وراء نقاب التأمل والتفكير واللوعة والشوق، ويسري صوتُ العذوبة والحلاوة الذي يُضارعُ نغمة الناي ليقطع صوت نبضات الأفئدة المتقدة وتلتقي الشفاه .
فيك أجفاني تبتسم كالشفاه وترفرف كأجنحة البلابل وقد اكتحلت بأحلام الأمل والفرح .
فظلامك سراجُ قلبي ووحشتك أنيسُ وحدتي وشجنك اندمالُ جرحي .



رناتُ أنين .





ضجيجٌ وهديرٌ وصخبٌ ونعيقٌ.
سواد الليل ينهش أوصال الضياء.
فلا تدعيه و اعتقي قلبك النابض.
أزيحي عنه جلباب عبوسه وتجهمه الأسود.
أنقذيه من الاختناق.
فالوأد في الإسلام حرام.
فعلُ الحبِ سنة المحبين، وطقوس العشق يتمرغ بها كهنة الحب وأرباب الحنان.  
سيدتي، سيخطفك قلبُكِ وأنتِ متيقظة وتنصاعين لندائه كفراشة ذات ألوان تقترب من نور السرج لتهب روحها ثمنا لملامسة النور .
سيخطفك ممن حولك.
لأكون أنا حولك.
اخلعي ما ترتدين ,,, كوني عمياء.
أسدلي رأسك نحوي بعد ترنحٍ.
اضطجعي الهواء وراقبي السماء .
فوق البخار.
تحت الفضاء .
يتهدل شعرك الأسيل.
ترتخي قدميك.
تسقط ذراعيك..
يتمايل نهداك اللينان من فوق إبطيك كأنهما تفاحتين مصابتين بالسمنة فلم تقوى الأغصان حملهما.
تتراقص نسمات الهواء لذةً بملمس جسدك ظاهرُ الدمِ الناشغُ بالماء.
تُحرك جدائلك فتلامس أطرافها أطراف أردافك المحرمة.
لِآتيكِ بأصابعٍ من نور.
وأجسُّ ما تورمَ خجلاً.
وما اغرورق حباً.

سلام أيها الفضاء الحاملُ بكفٍ مرتعشٍ يخافُ الفقدَ جسداً خُلق من الحبِ وغُذي بالحب وأُدخل لفافةَ الحبِ و غَفا على صدر الحب.
جسدٌ صغيرٌ يتوارى خلف الجدران خجلاً فكل الأحداق ترقبه وحُق لها.
رائعٌ مخلوطٌ بالنرجسية التي ما تزيد حُسنك شيئا.
فقد بلغ الحُسن منك ذروته وأمسك القمة وقعد منها بمقعد لن تزحزحه عنه تتابع الفصول و هطول الدموع و صفعات الفقد .  

إذا سكتَ تضطربُ الكائناتُ والأجرامُ والمذنبات، تنتظرُ بلهفة الحرمان رنةً بديعة من مبسمٍ أحمر.
إذا دمعَ تتسابقُ الجبالُ والمُهدُ لعلها تستسقي بدمعةٍ ترتجُ منها جنباتها و تحيى بها أزهارها.

سلامٌ أيها الضياء الغامرُ بنورك ظُلمة التعساء، وأي سلام يحتويك، سعادة القلوب وبهجتها، بسطة الأفئدة ورونقها.
سلام أيها الربيع الواهبُ بجمالك حياةً للأموات، وأي سلام يحتويك، منةُ الله ونعمائه، منحةُ الرحمن ويساره .
سلام أيها الفضل الماحي بعطائك فقر القلوب، وأي سلام يحتويك، كرم المحبين وإحسانهم، ندى العشاق وإفضالهم.
سلام أيها الجَّم المُعتلي بعظمتك صغائر النفوس، وأي سلام يحتويك، علو الأجلاءِ وشرفهم، رفعةُ الوِقَّارِ وعظمتهم.
سلام أيها الجسدُ المكتنف بين جنبيك قلبٌ احتشد بفنائه كل نقاء الكون.
فأسد لي رأسكِ نحوي بعد ترنحٍ.

فلا ضجيج ولا هدير ولا صخب ولا نعيق.



نقاط في رواية ( النبطي ) ليوسف زيدان ..






تدور أحداث رواية (النبطي) ليوسف زيدان فيما بعد سنة ست للهجرة وقبيل دخول عمرو بن العاص لأرض مصر. وفيها تحدث الرائع (زيدان) على لسان (مارية) التي تزوجت عربياً من الأنباط (سلومة ) ورحلت لتعيش معه في الصحراء تاركةً (كفر النملة).
الرواية عرضت لنا في البداية الصراع المسيحي المسيحي وكان هذا جلياً في المعارك الحوارية بين الراهب (باخوم) والكاهن (شنوتة) في الكنيسة. كما سلطت الضوء على حياة عرب الأنباط الذي لا نعرف عنهم إلا القليل .

(مارية) التي تتحدث دائما لنا بقلق وفقدان للأمان وخوف يختلط بالطيبة والسذاجة والحنان والأنوثة الملتهبة أحيانا، وهذا نراه في حواراتها مع (عميرو) عن حياة العرب، ومع (النبطي) عن أفكاره الدينية ومعتقداته الغريبة، ومع (ليلى) وأوهامها ونكاحها مع الجن .

في ثنايا الرواية ألمح لنا (زيدان) عن روحانيات (النبطي) والتي قد تكون حسب علمي مستوحاة من المعتقدات الوثنية والتي تقوم على تقديس الكون واللات والإله (إيل) وتناسخ الأرواح وتقلبها من ذكورتها إلى أنوثتها لتكتمل دروتها مع قابلية أن تتناقل هذه الأرواح إلى الحيوانات فتصبح روح الطفل فراشةً وروحُ العاشق المحب هدهداً.

الوصف السردي في هذه الرواية طغى للتفاصيل الجغرافية على حساب وصف الشخصيات, بل في بعض مواقع الرواية يحلق بنا (زيدان) بإبداع حتى وكأننا نرى المكان عياناً بياناً لا أن نقرأه في أسطر فقط، وفي المقابل فشخصية (النبطي) بطل الرواية بقي صامتاً شارداً منعزلاً مُختفياً وهذا يجعلنا نتساءل هل يقصد (زيدان) أن الأنباط اختفوا أو صمتوا للأبد ؟ 

(نبطي) و (مارية) في نظري هما أكبر من مجرد شخصيتان في رواية، بل هما حقبة تاريخية أو معتقد صامت عشقته (مصر) - في نظر زيدان- وفارقته مرغمةً بلا حول لها ولا قوة. (ناداني سلومة زاعقاً، فذهبت إليه رغماً عني ، رفعني على بغلةٍ تحوطها حميرٌ محملة، وأشار بطول ذراعه إلى النبطي مودعاً).

لغة الرواية تصويرية شاعرية عاطفية جياشة جميلة تشد القارئ ليستمع ويعيش الأحداث. (خلفي يقف النبطي في ثوبه الأبيض كأنه حلمُ ليلٍ حزين .. التفتُ إليه مرتجفة الروح فرأيته وحيداً بين الأحجار والرمال...) ثم يكمل ( انحرفت بي البغلة مع ذيل القافلة الهابطة إلى السهول فلم أعد أشاهد بعيني غير رؤوس الجبال لكني شاهدته في قلبي واقفاً في موضعه ينتظر في هذا التيه أمرا قد يأتيه أو لا يأتيه ) صفحة (381).

النهاية أرعبتني وهزتني كثيرا ففيها الكثير من الألم والحرمان والحيرة وحب حياة الوثنية ( هل أغافلهم وهم أصلا غافلون ، فأعود إليه لأبقى معه ، و معاً نموت ، ثم نولد من جديد .. هدهدين ) .

الرواية تمزج بين الحياة اليومية مع مزجٍ لأحداث التاريخ والشخصيات التاريخية في تسلسل منطقي ولا عجب ! فشخصيات (حاطب بن أبي بلتعة) و (مارية القبطية أم المؤمنين) و (عمرو بن العاص) و (فروة بن عمرو الجذامي) و (أسير بن حزام) تُظهرُ كيف استطاع (زيدان) وببراعة أن يجعلنا نسير وفق إيقاع الزمن.

لا يغفلني التنبية لبعض المآخذ على هذه الرواية وأن لا يُشرب السم من بين صفائح العسل ، فقد عرض (زيدان) ولو للقارئ العامي المبتدأ بعدة أمور منها:
1.    دموية الرسول صلى الله عليه وسلم ( يأتي بهذا....ويُسيل الدماء) .. صفحة (309) وجعلها مقابل سماحة الوثنية كما يعتقد – زيدان- وصاغها بطريقة غير مباشرة.
2.    ظلمُ الإسلامِ لليهود كما يدعي وحُكم سعد بن معاذ عليهم مع التغاضي عمداً عن نكثهم للعهود والمواثيق وهو الأمر الذي جعل المسلمين يحاربونهم.
3.    إجلاء اليهود من (يثرب) وطردهم لتستقبلهم وثنية (النبطي) بكل ترحاب. ولا أعلم هل في هذا مغازلة لليهود القائمين على جائزة نوبل كما فعل من سبقه.
4.    هدْم الرسول صلى الله عليه وسلم لكعبة الوثنية في الطائف، و هنا تنجلي عبقرية (زيدان) وكيف استطاع بجمال سرده وروعة عبارته ودقة لفظه أن يجعلنا نتعاطف مع ( أم البنين) الوثنية التي كانت تطوف حول (صنم اللات) حتى ماتت كمدا على كعبة الطائف .
5.    يخبرنا (زيدان) أن دخول الإسلام إلى الأنباط جعلهم مشردين هائمين، تركوا ديارهم ورحلوا عن منازلهم مجبرين . (لا تتأخروا في الرحيل ، والذين يسكنون إلى الشمال من هنا ينزحون إلى الشام مع أهل جذام ) صفحة (368).

رواية (النبطي) أكثر من رائعة (أدبياً) و(سردياً) وليس لمثلي أن يُقيم هذه القامة الأدبية الرفيعة . ولكني أشمئزُ ممن يستخدم (الأدب) عموماً لبثٍ فكري وتوجهات ذهنية معينة ومنشورات طائفية أو دينية لخيانة التاريخ والفكر .




شكراً (رُوكسان) تباً (منيرة) ..



(رُوكسان) شابةٌ جميلةٌ أنيقةٌ فاتنةٌ مثيرةٌ تحمل كل معاني الأنوثة في حضنها الدافئ الصغير .......

لا .. لا .. اعتذر أعزائي ليست كذلك سأبدأ من جديد...

(رُوكسان) فتاة مسيحية، ظلت تعمل عقوداً طويلة في خدمتنا كسعوديين، وكانت حنونةً على العجوز، لطيفةً مع الطفل، صديقةً للكل.

يتدفق الإخلاص من عينيها، في مشيتها الجد وفي ركضها النشاط، قريبة من المريض، تبكي لألمه، تفرحُ لشفائه، تشاطرهُ معاناته وأنينه، تمسح على رأسه، تحافظ على فراشه الأبيض نضيفاً، تعطيه مَصلَه ودواءه في وقته، تُوقظه لصلاته و سحوره .

كل ما فيها ينبيك بتربية الإسلام ولكنها لم تنطق الشهادة.

ومع مرور الأيام وجرِ السنين لرداءِ العُمرِ من تحتنا ذهبت (رُوكسان) وجاءت (منيرة) المسلمة المتحجبة، بنتٌ من بناتنا ومن داخل بيوتنا ودورنا، جاءت ومعها كل متناقضات المهنة والدين، لا تعلم إلى أين هي ذاهبة؟ هل لمستشفى أم سوق تجاري؟ كأنها مغصوبة للعمل كممرضة!

متكبرة متعجرفة مغرورة لا تفقه في الطب والتمريض إلا حروفَ اسمه ، محترفةٌ في قهقهات الممرات جاهلةٌ بأقل أصول المهنة، تخاف الدماء، لا تقوى لمس الجروح، لا تعلم أين الشريان من الوريد ولا أين الكلى من البنكرياس.

أهلكت المريض برائحة عطرها وفتنت المراجع والزائر المسكين.

لا علينا فهذه شخصيتها، ولكن من حقنا كمرضى ممن هن في مكانها بخدمة تليق منهن كممرضات تخدمُ المريض مهما كان طيفُه أو طبقته أو سنه.

لجانُ وزارة الصحة في الوقت الحالي تشتكي مما تعانيه (منيرة) من مضايقات ومعاكسات وتحرشات وكأنها هي الأنثى و (رُوكسان) ذكرٌ لا تملك مقومات الأنوثة.

(منيرة) أصلحك الله :

لقد خرجتِ من بيتك وتركتِ أبناءك وزوجَك وأهلك ، من أجل هذا العمل الشريف والذي تتمناهُ الكثير من الفتيات المتقنات للعمل القائمات على بيوتٍ وأطفال، فاحمليه فوق أكتافك بأمانة متحملةً عواقبه و مسؤولياته، فوالله لهو أمانة عظيمة ، وعنها ستُسألين فالمريض مريض يحتاج للعناية والاهتمام فاتركي ما يلهيكِ عزيزتي واعملي وعودي لنا برائحة ونظافة و حسن تعامل ورعاية مستشفيات ( روكسان ) فأنتِ منها أجدر وبخُلقك و دينك وثقافتك أنتِ منها أجمل.