مفتي ذو ذمة واسعة.







مبدأ النصيحة للحاكم متفق عليه عند أغلب فقهاء الإسلام واعتبروه بابا من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وجور الحاكم هو نوع من أنواع المنكر الذي يجب فيه المناصحة حتى تتم إزالته .

وعلى أهل الحل والعقد وعلماء الأمه توضيح المنكر للحاكم والذي قد لا يعلم بوجوده أو يعلم ولكن لا يراه منكرا وذلك باللين واللطف والرفق وهذ منهج ربانا عليه قائد الأمه وخير البريه محمد صلى الله عليه وسلم .

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قواعد فقهية عامه منها درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وتحمل ضرر أخف لدرء ضرر أكبر وغيرها من القواعد الأخرى التي لا تخفى عن العلماء والفقهاء .

وفي ذات الوقت فمداهنة الحكام وإقرارهم على كل ما يفعلوه لهو الظلم والمفسدة . فأصبحت درء المفسدة تجلب مفسدة . وخاصة في أمور يراها العامة من الشعب تصيبه، فلا يؤولها بغير الظلم والجبروت والقهر.

قلت هذا بعد أن قرأت اليوم تصريحا لمفتي الديار السعودية والقابع في أعلى هرم المؤسسة الدينية في البلد والذي يقول فيه ( الدولة لا تظلم ولا تقبض على أحد عبثا )

وهي جملة عائمة لها من المعاني الكثير لذوي النظرة الثاقبة ولها أيضا ثقلها بثقل منصب قائلها . ولها توقيتها الرائع المبني على كثير من الأحداث الحالية والمستقبلية .

فكلمة ( الدولة ) بحد ذاتها كلمة لها الكثير من المفاهيم فهي تطلق على كامل الأنظمة والمؤسسات الحكومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية فهذا كله ( دوله) .

لا أعلم ما كان يقصده سماحته من اطلاق كلمة ( الدولة ) ومهما كان المقصد فهناك ألوف العاملين في هذه المؤسسات . ولا أرى هنا إلا اتساع في الذمه ونقص في الأمانة وتخريف في إطلاق هكذا كلمه.

دولة لا تظلم أي بمعنى أنها دولة تضع كل شيء بمكانه . فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وتعدي عن الحق إلى الباطل، و ظلم فلان حقه : أي غصبه أو أنقصه إياه. وهو انتهاك لحق الآخر عدوانا.

فلو سؤل أي شخص غير عالم عن الظلم وهل ينطبق في زماننا هذا وبلدنا هذا لما تحدث كما تحدث رجل درس على يد ابن باز ومن أحفاد محمد بن عبد الوهاب .

وأنا أرى أن حديث سماحته لهو ظلم وجور على نفسه . فقد ظلم نفسه أشد الظلم وأقعد نفسه في غير مقعده، مهما كانت التقية التي يمارسها في الباطن نتيجه قهر أو خوف يواجهه من إنسان أخر .

لو أن سماحته نظر من خارج نافذة قصره لرأى أن كل شيء في غير مكانه . بدأ من أصغر المشاريع الفاسدة وما فيها من ظلم وجور و مرورا بالاعتقالات والسجون المليئة بالمظلومين وتكميه الأفواه الصادقة والتصفيق لكل ناعق كاذب متحرر من ذمته و أمانته وصولا إلى هرم السلطة وتوريث المناطق والوزارات بين شخصيات محددة وصنع مؤسسات ماليه عملاقة لأصحاب النفوذ للسيطرة على المال العام . وربما أدرك أنه حتى هو ليس في مكانه .

أليس هذا من الظلم يا سماحة المفتي .

في جنوب المملكة هناك قرى ما زالت متأخرة عن الحضارة مائة عام . لا يملكون اصغر مقومات الحياة . لا منزل ولا مؤى ، يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء .

أليس بظلم هذا .

ولماذا نبتعد . ألم تزر حي السليمانية الذي يجاور قصرك . لا بد أنك سمعت عنه وعنهم وعن الظلم القابع على رؤوسهم . وكيف مُنعوا من الماء والكهرباء طوال عقود من الزمن .

اغتصاب الاراضي في مكة وغيرها من المدن . أليس بظلم هذا .

التوظيف الوهمي لشخصيات وهمية. أليس بظلم .

اعتقال المشايخ والعلماء ( تلاميذك ). أليس بظلم .

نشر الفساد والرذيلة بشتى الأنواع والسبل . أليس بظلم.

السكوت عن الحق . أليس بظلم .

تدمير قوى الشباب والفتوة. أليس بظلم .

الاحتكار والغلاء والربا والرشوة والفساد الاداري والمالي . أليس بظلم .

كلامك . أليس بظلم .

تخل عن درسك اليومي في مسجدك وانطلق في أنحاء مملكتك لترى العدل والإنصاف الذي ألبسْته ( الدولة) لترى العجب العجاب. فكم من شخص مات من البرد والصقيع وكم من شخص اضطر للسرقة لإطعام أطفاله . وكم من شاب انتحر ضنكا ونكدا وحنقا من ضيق ذات اليد .

ولكنك صادق في أنها لا تلقي القبض على أحد عبثا . فالذئب لا يهرول عبثا.

 

ياسماحتك ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) آيه 18 من سورة (ق).. وفقك الله .

 

طفل كبير.





خرج من بطن أمه مجبولاً على ( الأخذ ) . فلا يعلم إلا ( الأخذ) . يأخذ بالثدي فهو ملكه . ويأخذ بالحضن فهو له .

يأخذ لعبة رفيقه . ويستحوذ على اللاشيء فكأنه ملَك العالم. يأخذ أقلام أبيه ليرسم نفسه . ويأخذ حلوى أخيه ليشبع لذته . ويرى أن أهم شيء في الوجود شخصُه.

يكبر قليلا فيشعر بأسرته ويرى رفاقه ويجلس بجوار صديقه في صف التعلم . يكبر فتبدأ ( أنا) بالضمور وتبدأ ( نحن ) بالنمو.
يرسخ في ذهنه أنه ليس وحيداً في الكون الكبير . وأنَّ هناك منافع ومصالح مع الآخر ، وهناك مسؤولية ملقاة على عاتقه ، وهناك أمة تنتظره , ولكنه لا يرى أبعد من أنفه فقًصُر به النظر وضاق به التفكير نحو أكل طيب ، وشرب طيب ، وملبس طيب . فجعل عمله وسعيه ولهثه ليغنم هذه الطيبات فقط .ولم يعلم أن هناك أطيب. فوضع أمام عينيه لوحة مكتوب عليها أن من جُبل على ( أنا ) يجب أن يحارب ( نحن) .

غلبه شيطانه وكبره وصغر نفسه فكابر وصارع وجالد الحياة لأن لا تصغر ( أنا ) وتكبر ( نحن ) . وجعل حدود العالم حدود نفسه، فلا يعنيه من حوله أشقوا أم سعدوا ، أجاعوا أم شبعوا ، أبكوا أم ضحكوا . لا يحمل في قلبه إلا نفسه . ولا يحمل في نفسه إلا حتفه .

نزع كل وردِ ( نحن ) الجميل الملون من بستانه . وأبدلها بشوك ( أنا ) البائس القاتم الباعث لمن يراها بضيق النفس و الخوف.

رسم لنفسه خطاً على الأرض يمشي عليه، جاعلاً في أوله ( أنا ) وفي آخره ( أنا ) .

استعاض خِرافه الأليفة بقطيع ذئاب لتهجم على حظيرةِ جاره . وتناسى أنها ستعودُ مقطعة أوصال جسده. فلكل فعلٍ فعل معاكس له .

حياته أخذٌ خاصم عطاء ، إمساكٌ باغضَ سخاء ، طمعٌ مع تقتير ، جشعٌ عاشر بُخل.

همه جمع ماله ، وإرضاء ملذاته ، وملأ بطنه ، وإشباع شهواته، وري شوكه .

عِشقه للذاته غلب حبه للحق والصواب، وهام بـ ( أنا) وتناسى ( نحن ) .

نضج الجسمُ واكتمل والنفس لا تزال نفس طفل .

لم يُسمع نفسه مصطلح ( أسرتي ) ( مجتمعي ) ( أمتي ) ( عالمي ) .

اختزلها في شهوة ، وسجن نفسه في شهوة ، وقتل نفسه بشهوة.

أصدقاء ينيرون الطريق.




 

 
على الدوم كانت تتملكني فكرة تقنعني بأن هناك عالم واقعي نعيشه بلا اختيار وهناك في الطرف المقابل عالم افتراضي نلج فيه باختيارنا ونختار مع من نكون وبكامل حريتنا وتصرفنا.
 
عالم افتراضي متكامل نعيشه بكامل طاقاتنا ونشعر به بكامل حواسنا .
بعيد عن الماديات التي يفرضها علينا عالمنا الواقعي.
وبعيد عن متطلباتنا الحياتية والتي قد تفرض علينا الكثير من القيود.
ولكن مالم أكن أتوقعه هو إمكانية التداخل والامتزاج بين ما هو افتراضي وبين ما هو واقعي أو تحول الافتراضي إلى واقعي .
 وحتى لو افترضت امكانية التداخل بينهما فلم أكن أتوقع  النتيجة المحسوسة والتي كانت بهذا الجمال وهذه الروعة.
 
كنت أراه رشيدا في اسمه وفعله.
كنت أراه من خلف حروفه.
كنت أراه في همسات روحه وخاطره
 
أبهرني.
شدني.
سلب مني عقلي.
فاغرٌ فمي تارة.
ممسكٌ بشعر رأسي تارة أخرى.
أردد ( لله درك من رشيد)
أحببته كثيرا. وتعلمت منه أكثر.
 
تقربت منه فرحب بي.
سألته فأجاب.
استشرته فأرشدني
طلبته فأعطاني.
أردت المزيد فلم يرفض لي طلبا.
أردته حقيقة بدل واقعا
فمنحني ما أردت.
 
السلام عليكم
وعليكم السلام
انا بداخل المحطة
وأنا بخارجها
أين فوق أم تحت
 ايه ايه - رفعت يدي - لقد رأيتك
 
نسيت المطر
وأن القنيطرة تتقطر سماؤها
وأسرعت نازلا السلم
وأخيرا أصبح الطالب يتلمس أستاذه.
وبعد أن كان يسمع صوت بنانه أصبح يسمع صوت لسانه
 
وخجلاً توقفَت السماء
فهو اكثر منها في العطاء
 
كان معه رجل شديد الاحترام كثير الأدب
يده اليمنى فوق اليسرى على وسطه
صافحته
 
عرفني عليه قائلا : خالد أبجيك صاحب مدونة الفكر الحر
 
يبتسم الحظ
تضحك الدنيا
ما أروع اللحظة
ما أجمل الصدفة
 
عندما تريد أن تقرأ موسوعة فإذ بك تستطيع أن تقرأ اثنتين معا وفي نفس الوقت
وتريد أن تنزف من بئر واحدة فإذ بك تنزف من اثنتين
 
كان في رأسي الكثير
أردت أن أنهل منهما حتى أرتوي
 
الأدب الجم والاحترام الوافر والثقافة الغزيرة والكرم السخي والسعة في المعلومات والثقة بالنفس والرضاب المعسول كل هذا وجدته في رشيد وخالد.
 
فكأنما جُمعت خصال الخير فيهما
وما حولي من البشر إلا هما
والوقت كان يهرول في حلبة الجري
ويريد تحطيم الرقم القياسي
 
حاورتهما سألتهما ناقشتهما استعلمتهما استخبرتهما أخذت رأييهما في كثير من الأمور.
انتهى الوقت
رحلت.
ولن ترحل هذه اللحظات فالقادم أجمل.
 
شكرا استاذي رشيد
شكرا أخي خالد
شكرا لكما ملئ السماء وملئ الأرض على ما تفضلتما به علي.
 
فبحار العالم لن تكفيني حبرا
وأشجاره لن تكفيني أقلاما
لأعبر عما يختلج فؤادي
 
ولكنه الله الواحد العالم بما أُكنه لكما.
فأنتما أنرتما لي الطريق .
 
 
ليس للوداع وجود في قاموسي.
وللقاء بكما وقت قريب بإذن الله.
 

سيدةُ النساء.




 
 
سيدةُ النساء

مَلِكَتي/ مملكتي ومستقري ووطنٌ ضمني .

حياتي/ انتشلتُها من قاعِها رافعاً منزلتها لتركعَ طوعاً بين عطفِ يديكِ وحنانِ فؤادكِ. متنازلاً عنها لتمنحيني إياها.

عشقي / باسقةٌ هامتُه ترفُّعاً . مزهوٌ بعشقٍ لم يتأت لغيرك. طفلٌ ربا ونشا وهاهو في سن الرجال قد غدا.

اسألِ عشقي عن عشقك.
فعنده لكل سؤالٍ جواب، ولكل علمٍ باب .

وإلا فأمامك سَهري وتوجُعي وشاهدي دمي ودمعي وابتسامتي.

حبي / مكونٌ من حرفين باطنه صدقٌ يعلوه وفاءٌ مرصعٌ بياقوتة الإخلاص مغلفٌ بدرع الأمان لأنثى أحيته من الرميم. وتناول الصبُ منها نوالا.

هُيامي / لبناتُه ذراتك . ضمَ جيناتَكِ . فلبِسَ صفاتَكِ . يعلو علوَ سحابٍ ناعم الأديم برائحة المطر.

هُيامي / كماءِ رَاقَ، في جدول رَقرَاقَ، تسهو به أعين العُشاقَ.

فاشفقي على خدي من مدمَعي.

وارحمِي أحشائي من نيراني.

أحبُك يا نورَ شمس الصباح، متسللاً بين أغصان التفاح.

أحبُك نسمةَ الحياة . فسعادتي منكِ مستوحاة.

تحيا مُقْلَتيَّ بمرءاكِ ، تمقلُ صفاء وجهك وتتنقل بين جنبات جمالك.

تُطرِب أُذني سماع همسات بوحك .

 

الودُ نسقيكِ صافياً لا غششاً

الهوى نرويكِ لبناً خالصا

الغرام ....نهديكِ ليناً سهل.....المرام

فحُبكِ و الجوى وصَلَ الشغافِ وكوى

فالعهد باقِ كما هو

منكِ الحب لا الجفا . ولكِ مِثلُه والوفا

ربي إن أذقت أول سنيني وبالاً، فأذق آخرها نوالاً

 

عاداتنا تحاربنا.

 
 
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
 
فضائل جمة نعلمها ولا نعمل بها. ينادى بها في المنابر والخطب. وتُخط وسط الصفحات والصحف.
المجلدات تأن والكتب.
مما يُكتب بها من نصحٍ وإرشاد وحكم . وكلامٍ منمق جميل.
وقبلها مكتوبة في كتاب مبين ومشروحة في سنة مطهرة.
ولكن العصي نحن . كأنا خرجنا من صخر أصم أو نبتنا في مرتعِ وَخِمْ.
 
كُنتَ امرأً لو شئتَ أنْ تبْلُغَ المُنى ... بلغْتَ بأدْنى غايةٍ تسْتديمُها
ولكن فِطامُ النَّفْسِ أثقَلُ مَحْمِلاً ... من الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ حينَ ترُومُها
 
نبدأ الكلام بـ(اتقوا الله عباد الله) والوصاية بحسن الخلق. ونتناسى الطبع وكل إناء بما فيه ينضح .
ظَلَمْتَ امْرَءاً كلَّفْتَه غيْرَ خُلْقِه ... وهل كانتِ الأخْلاقُ إلا غَرائِزا
 
مع يقيننا أنه من الضرورة الرجوع للحق والتحلي بصفات خير المرسلين . والعلم التام بسهولة ذلك وأنها الوحيدة القادرة على إضفاء السعادة والأمل والتفاؤل والنجاح والتقدم والحضارة والكرامة على حياتنا وأمتنا .. ولكنها العادات السقيمة والتقاليد العتيقة والثياب المتداعية التي اصبحت من المسلمات وكأنها تماثيل بوذا لشعب بوذا وكتب بهاء الله عند البهائية.
 
(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)
 
بلادنا أصبحت مثل مزارع الدجاج التي تُفرخ دجاجات ذات مقاسات محددة وأحجام معينة لا تزيد ولا تنقص عن الحجم الذي أراده صاحب المزرعة، فلا يفلح بعد ذلك أدب أو تهذيب.
وأضحينا نأخذ من كل جانب ونحطب من كل عود ونضم ما يضم حبل الحاطب. الأخضر واليابس وتخدعنا الشمس بطول ضلالنا.
نقبل الوحل كأنه قالب ثلج . وننبذ السمين كأنه غث سقيم.
نبتلع السم الزعاف ونخاله عسلا مصفى.
وما هي إلا انتكاس في الفطرة، وحيود عن الطريق المستقيم .
 
فَأَمَّا حُسْنُ الخَلْقِ * أَعْيَتْني فِيهِ الْكَثْرَة
وَأَمَّا حُسْنُ الخُلُقْ * لَمْ أَجِدْهُ بِالمَرَّة