آلام.





أهكذا ستسير السنين؟
أهكذا سينقضي العمر تحت أقدام الليالي والأيام؟
أهكذا تتهشم اللحظات الجميلة ؟
أهكذا يتصدع زجاج الحب ويهوي كحبات من الكرهِ والحقدِ ليجرح أصابع من يمسك به؟
أهكذا تنطفئ شمعاتُ الأملِ ويخبو نورُ السراج؟
أهكذا يغطي الظلام أبصارنا؟ أم أن السير بغطاء من الظلامِ في النور أفضل من السير بنور الفؤاد في ظلام الطرقات؟
الجواب بأن الألم أصبح طبيعة والوجعَ حياة والجُرحَ عادة ونزيفه ارتواء. 
دمعةُ بلا بسمة، ووداعُ من غيرِ عِناق، وليلٌ بلا صباح، وسموم بلا نسيم، وجفاف من غير مطر، ضِحكةُ من غير نواجذ، هدوءُ من غير سكينة، فقرٌ مع مال، وعريٌ مع لباس، وكآبة مع ملاهي، وسقمٌ مع دواء، وضجر مع أصحاب، وجهلٌ مع فقهاء، أو شوك وطلح وغبار.
جفت جداول الوادي، وماتت زهرة البنفسج، وتحطمت الإقحوانة كما تتحطم الفضيلة تحت أقدام البِغاء. 
لا تقل هي نظرتي للواقع الأليم، فهو واقعٌ من غير أن أراه، ولا تقل ارتدْ نظارة الأمل لِتُزيح مآسي الألم.
دنيا تعيسة لا تقبل إلا التعساء، لا مكان فيها لصحنِ خبزٍ روحي ولا عصيرٍ ملائكي نتناولهما بأفواه القلوب والخواطر. فتربتها الشيطانية المختلطةُ بماءِ البشريةِ القذرِ المُشبعِ بكذب المُلتحي وخداع الرأسمالي وظُلم الحاكم واستبداد الرئيس وتسلٌطِ الأخ وصراخِ الزوجة وصِراعِ الصديق ومجابهة الأمواج ولفحِ الرياح، أُخِذت ليُصنع بها كائن صلصالي ضعيف سلس منقاد صاحب شكل خارجي أجوف. 
سُلب ما بداخل الصدور ونُزع ما في القلوب ليبقى الجسد الترابي يهيمُ وحده كآلة تكدح وتعملُ لأجل صاحبها. 
عُظِّمت الشرائع البشرية على حساب حريةِ الجمال ومُتع الدنيا ولذة الحياة، فأصبح الكل كطائرٍ محبوسٍ في قفصٍ يعاني الجوع وعنده أكله ويقاسي العطش وماؤه حوله.
من سن الطفولة ونحن نسمع صرخات من اللاءات تصم الآذان وتفجرُ الدماغ، حتى أصبحنا نحن نكررها لمن حولنا فقد أصبحت شرعا وعادة. 
نسير في طريق من اتجاه واحد يوصلنا إلى جرف وادي سحيق فنتساقط واحدٌ تلو الآخر، فإن عاكست السير للنجاة دهستك الأقدام وهلكت وإن أكملت المسير سقطت. 
نحتاج شيئا نابعا من القلبِ، متقدا من الفؤاد، جارفا كالسيل قويا كالصخر، نحتاج حبا يُنعشُ القلب ويُلهب الأحشاء.
حبا بين الأخ وأخيه والزوج وزوجته والصديق وصديقه والرئيس ومرؤوسيه والحاكم وشعبه والوزير و خادمه والرجل وأبنائه والمرأة وجارتها.
نحتاج أن نترجل عن سرج كبرياء البشرية المصطنعة وننزلَ عن عرشنا المزيف ونزيحَ عن كاهلنا عباءة العنصرية ونعود كما خُلقنا ونستبدل قلوبنا بقلوب أطفال وعقولنا بعقول حكماء، عندها سيلمُ الليل أذياله وينسحب لتُشرق أشعة شمسٍ تسقطُ على المباني والأزهار والحدائق فتُحيلُ لونها للون الذهب البراق ويمتطي الشتاء فرسه راحلا لنستقبلَ الربيع فنهشُ به متأهلين ونقودُه مرحبين فتنمو الإقحوانه  من جديد وتحيى زهرة البنفسج ويترقرق الجدولُ حرا إلى الوادي. 




وطن يرقص ألماً .




ناديت بصوت جهور وصحت حتى تقطع الصوت. يا  لتلك المغرورة الغائبة، الفاتنة الساحرة، والأنثى المغرية. أريد فقط حوارها وسؤالها عن فِعْلنا بها حتى تركتنا تحت ظلام الليل تنهشنا السباع و تأكلنا الأسود والضباع. ماذا يا سيدة النساء؟

جسدك الطري لم نقترب منه وجلدك الغضُ لم نلمسه، و نهداك النافران لم نتحسسهما، فقط اكتفينا بالنظر اختلاساً، أما أردافك المتكورة فلنا معها ومع الجُبن قصة.  فنحن ابناء شيخٍ علَّمنا منذ الصغر على حُرمة الإقتراب منك والتغزل، مع الحفاظ على حقوقك وكرامتك وشرفك، ومن غير أن نسأل ماهية الحقوق والكرامة والشرف. أناديك فعساك تسمعي كلامي وتنصتي لأنيني وتتلطفي مع حشرجة حلقي الذي سئم الصياح، ومل الطلب والترجي كل صباح.


أنادي السيدة ( حرية ) القابعة وراء قضبان غرورها، وخلف سور تعاليها. والمُعلِقةُ على بابها ذلك المُهندُ الأبيض اللامع والذي ينبئك عن خطورة الإقتراب منها ومن أسوار مملكتها. أناديها في يومٍ يَحتفلُ فيه أبناء الوطن بتشرد أبناء الوطن في مسرحية الاحتفالِ بالوطن. في يومٍ محفوظ فيه ماذا ستقول وماذا ستسمع وماذا سترى. في يوم يصبح فيه للكذب رائحة ،وللتزييف نتانةٌ واضحة، في يوم تباح فيه المحرمات ويوطأ على أنف المقدسات وتُنسى التقاليد والعادات، فعند الضرورة تباح المحظورات. ومن الضرورات بمكان أن يتراقص أهل الحرمين على تراب الحرمين.


اليوم الوطني يوم ترديد لمجد أمه وحضارة وطن، حتى ولو خداعا وكذبا، المهم الرقص والتطبيل والغناء وإلقاء الموشحات في مدح هذا وتأليه هذا، وملئ الصحف بالشعر الأخضر والكلام الأخضرِ والترهات الخضراء مع كثير من الصور والجمل التي تُعلي شأن من ليس له شأن. فالبعض يتراقص على أنغام الدندنة  وهم الأغبياء السُذج والبعض يتراقص على أنغام السرقات ودندنة زيادة الأرصدة وهؤلاء عقلاء الوطن. 


في هذا اليوم تَحضرُ فيه السيدة ( حرية ) بلباسها القذر السمج الذي خاطه لها الخياط الإنجليزي و بمكياجها الفاخر القادم من الأسواق الأمريكية. 


ونحنُ فقط كقطيع أغنامٍ يُحبسُ طوال الفصول الأربعة وفي يومٍ واحدٍ ماطرٍ يطلقها الراعي لترعى في الجبال وبين السهول فتسير على غير هدى فالجوع والعطش يقودها والمطر من فوقها يُعميها. وفي المساء تعود إلى زريبتها ولا ترى الشمس لسنة كاملة. 


في شوارع تحليةِ مدننا العظيمة تُقام ذكرى أمجاد الأمه وحضارة الوطن لنُخبر العالم أجمع كيف تمت عملية توحيد بلاد التوحيد وكيف رُفعت راية التوحيد وكيف سيتم إنزالها حتى تداس بالأقدام .


نبين للعالم أننا شبابٌ ساذج معتوه وبناتٌ شهوانيات حمقاوات، نبغي التراقص والغناء ولكن تحت قرار ملكي وتحت مظلة القانون. لنؤكد للعالم أننا ألواح من الرخام المزيف يتظاهر باللمعان والقوة وما إن تلمسه هبة ريح حتى يهوي متحطما متكسرا.


فبعد أن أظهرنا تراثنا الراقص في مهرجان الجنادرية ها نحن في هذا اليوم نؤكد ذلك للمشككين والمترددين. ونؤكد للعالم أيضاً أننا أفراخُ دجاجة نمشي وراء أُمِّنا فنحن لا نعرف من الدنيا غيرها, فإن شرقت شرقنا وإن غربت غربنا.


نردد ( يا وطنا يا وطنا عمت عين الحسود )  بين أزقة العاصمة الرياض التي توقفت عقارب الزمن فيها عند الستينيات من القرن الماضي والجميل في الأمر أنها تحمل عبق الماضي وجمال التاريخ العتيق. ونكتب في الألواح ( بلادي منار الهدى ) وأبناؤها يدرسون في الخارج ونحلف ظلما وزورا ( بلادي والله ما مثلك بلد ). وعلى أصوات الكمنجة الحلال والقيثار الإسلامي ندعو ب ( الله لا يغير علينا ).


نحن واثقين بأن الدنيا خلقت لنا وحدنا وأننا شعب الله المختار الذي في الآخرةِ سيلجُ الجنة من أية أبوابها أراد، والنتيجة أنه مع كل يوم وطني يولدُ فاسد ، ويخرجُ ناهب ، ويُطلُ كاذب.


ومع كل يوم وطني نجد قصة مأساة ودموع ثكلى وأنين مظلوم.


ومع كل يوم وطني نعلم أن هناك إجازات من غير إنجازات. 


مع كل يوم وطني نجد  (هيلة القصير) في سجون النساء لأنها نطقت بحق.  


مع كل يوم وطني هناك ماجد الدوسري وريهام الحكمي وذكريات وزارة الصحة المؤلمة القاتلة.


مع كل يوم وطني شيخُ لم يجد علاج، ومُعلمة تركت أولادها الصغار تحت رحمة الموت تتلو دعاء السفر لتسافر لمدرستها. 


مع كل يوم وطني نجد جنديا يصبح وزير تعليم وآخر نائباً لوزير.


مع كل يوم وطني هناك ساهر لسلب الجيوب وحافز للضحك على الذقون. 


مع كل يوم وطني هناك قرار ملكي لا يُطبق لأنه لا يتناسب مع أهواء الشيطان وكل ماردٍ خوان.  


مع كل يوم وطني يذهب تويجري ليأتي طبيشي ويُقال آل شيخٍ ليُنصبَ ال شيخٍ آخر وكأن البلد كُله أربع عائلات فقط. 


مع كل يوم وطني ينتحر شابٌ قهرا وكمدا فلا عمل وجد و لا إعانة لقي.


مع كل يوم وطني هناك مسن يبحث في القمامة وعجوز تشحث عند البقالة. 


مع كل يوم وطني يُزال شارع ويُرصف آخر أمام المسؤول، وأحياء جدة تئن و طُرق أبها مازالت تمارس عملية الإغتيال والنحر. 


مع كل يوم وطني هناك (مُشْعِلٌ) للأراضي ومُغتصبٌ للأملاك. 


مع كل يوم وطني تُوَرَّثُ الوزارات وتُقْسَّم الكعكات بين أبناء الهاي هايات. 


مع كل يوم وطني تُسلب المليارات ليهنأ هذا ويرضى ذاك. 


مع كل يوم وطني نسمع بكاءً خلف الأسوار ونرى مظلوما وراء القضبان فلا هم حُوكموا فارتاحوا ولا هم تُركوا يأكلون من أرزاق الأرض .


مع كل يوم وطني ينتفخ بطنٌ شبعا ويضمر آخر جُوعا وقهرا.


مع كل يوم وطني نجدُ طفلا يبكي الجوع والحليب، محروما من الدواء والطبيب.


مع كل يوم وطني كرامةٌ تُداس وعزٌ يُهشم وشجاعة تُقتل.  


مع كل يوم وطني فاجرة تُرقّى وكاذب يُنصَّب وعقيمُ فكرٍ يأمر وينهى .


مع كل يوم وطني فتاة تتراقص عارية كاسية وتتنادى بظلم الذكور وسطوة المجتمع وسجن الحجاب فيُنصتُ لها، وأخرى لا تعلم أين والدها أهو فوق الأرض لتبحث عنه أم تحتها لتدعو له فكأنها تنادي أمواتاً. 


وفي النهاية فمع كل يومٍ وطني تزداد الفجوة وتكبر الهوة. فليس من تسرول باللون الأخضر وصبغ وجهه وحذاءه يكون قد خالج شغاف قلبه حب الوطن وعرف ماهية حب تراب الوطن. فالحب أعلى وأنبل. فهؤلاء الشباب بحاجة لحبِ السيدة (حرية) وتقبيل شفاهها وشم عبق رائحة شعرها و النوم في أحضانها، على سرير العدل والمساواة.

 الحرية الإسلامية العاشقة لأخلاق المسلم الحقة، الحرية المرفوعة الرأس التي تسمو بصاحبها وتعلو، القائمة على أركان الكرامة تحت سماء سماحة الدين وفوق أرض الثقة والأمن والأمان، المتسربلة بحب ولي الأمر العادل. فإن هواء الحرية النقي يضمن لك صحة أبنائك وصلاح نفوسهم. فهم يريدون وطنا يُشبعهم قبل أن يسجنهم.



هل تعلم أين الحقيقة؟





هل هناك أشياء؟ هل هناك حقيقة للأشياء؟ هل ما نراه حقيقة؟ كيف هو الكون من حولنا ؟ من هو صاحب النظرة الصحيحة للكون؟ أنا أم أنت أم الجمل ؟ هل الوردة الصفراء صفراء؟ وإذا كانت صفراء فهل تراها النحلة صفراء أيضا؟ أين الحقيقة هل هي في نظرتنا الملونة الطبيعية أم في نظرة أشعة أكس التي تظهر الأشياء بدون ألوان؟ هل أشعة أكس تظهر لنا الأبيض والأسود أم أننا نحن من نراها هكذا؟ أليس من الممكن أن الطبيعة من حولنا عديمة الألوان ولكن الله جعل على عيوننا ما يشبه العدسات الملونة فتحول المشاهد إلى ألوان جميلة وهي على غير حقيقتها؟ أليس من الممكن أننا كائنات ضئيلة الحجم جدا ولكننا نعيش داخل شجرة بلوط ضخمة؟ هل النار حارقة ؟ إذا كانت حارقة فلماذا لا تُحرق الفولاذ؟ هي حارقة بالنسبة لمن؟ وما هي الألوان الفوق البنفسجية التي لا يراها الإنسان؟ أليس في ذلك دليلٌ على أننا محدودو القدرات.
-
رؤيتك للأشياء لا تكون بالضرورة هي النظرة الصحيحة. فأنا عزيزي القارئ متعصبٌ للنسبية بل وأصبها صبا على كل ما حولي. فهناك علاقة تختلف باختلاف الرائي والمرئي والحاس والمحسوس والشامِ والمشموم. وقد ترى أنت عزيز القارئ وكأنها ميتافيزيقا من خارج الأكوان أو صفصفطة أريد سوقها لا تسمن ولا تغني، ولكن أعطني انتباهك قليلا ورش عليه قليل من التواضع، ثم خذ ما تريد منها واترك الباقي لهم.
-
فمثلاً في عالم الحشرات هناك حشرة ترى الوردة الحمراء حمراء وهناك من تراها قاتمة فقيرة الألوان بل وهناك ما لا يراها أصلا، وهذا هو كلام العلماء وما توصلوا إليه و لك حرية البحث والتقصي.
إذن أين الحقيقة ؟ أنت يا بني آدم تمتلك وسائل وحواس محدودة وهبها الله لك و بها تحكم على العالم من حولك بناء على تصورك على الشكل واللون الرائحة والإدراك.
قد تُعجبك رائحة الياسمين ولكن هل هي رائحة جميلة فعلا ؟ وجميلة لمن؟
-
بعض الكائنات الحية قد تنفر منها، ولو كان بإمكانك محادثة حشرة تعيش في الأماكن القذرة وتسألها عن الروائح من حولها، فإنها قطعا ستثبت لك أن ما حولها من أجمل روائح الكون. بل وستتعجب منك ومن مقدرتك على تحمل رائحة العطور الفرنسية، فهي شذًا و زكية لنا نحن فقط، نتنة كريهة لغيرنا. إذن أين الحقيقة؟ هذه الحياة عزيزي القارئ تناسبية في كل أمورها حتى في العلاقات البشرية . فقد تحكي القصة أو الحادثة المحزنة بتفاصيلها والمبكية بأحداثها فتذرف الدموع وتتصارع العبرات وعلى النقيض يسمعها الآخر فيراها مفرحة مضحكة له هو، فذلك يعتمد على نسبيته في تناولها، ويخرج حكمه بناءً على نظرته فقط.
-
أما ترى أن هناك كائنات تفرح للمجازر التي تحدث في سوريا!!
بعض الحشرات قد تطلق علينا معشر البشر اسم ( مجتمع الحشرات ) لأننا حشرات في نظرها وهي في كامل بشريتها التي تراها هي بشرية. وفي أمم غيرنا يطلقون على الأبيض أسود وعلى القذر جميل وعلى المصيبة سلامة، كلها نسبة وتناسب وقد يساعدك هذا التفكير في فهم ما حولك وأنه ليس دائما من سبك وشتمك قد سبك وشتمك . هذا مثال لا أكثر .
-
أيضا تعال معي وتناول هذا، هل كوكب الأرض كبير؟
لا تجب على السؤال حتى تلتقي بذرة صغيرة على صخرة كبيرة وتسألها : هل الصخرة التي أنتِ فوقها كبيرة؟ ماذا ستكون إجابتها؟
لو تخيلنا أن بإمكاننا العودة للوراء ومجالسة ديناصورا عملاقا من العصور السحيقة وسألناه عن شجرة النخيل ؟ لقال هذه من الحشائش هداك الله.
الصخرة كبيرة للذرة صغيرة لك ، والشجر كذلك. إذن فالإجابة على السؤال يحتم علي السائل تفنيد المصطلحات وتبيان المعاني. (كبير)  عندما قالها ( كبيرٌ بالنسبة لمن)؟
أيضا عدم رؤيتك للأشياء لا يعني أنها غير موجودة فالذرة الصغيرة لا تراك مع أنك موجود. ولو أخبرناها أنك حيُ تعيش بالقرب منها وتفسد عليها حياتها لما صدقت ذلك ولانقلبت على ظهرها ضاحكة مستهزئة. ولكن هل معها ظهرٌ تستلقي عليه ؟ وإذا كان معها ظهر فهل هي تستلقي مثلنا إذا شعرت بالتعب؟ وهل يوجد في حياتها تعبٌ أصلاً؟
الأفعى سريعة جدا ولكنها بطيئة جدا .سريعة لنا معشر البشر بطيئة جدا لنسر يهوي من السماء. الجبل ضخم أمامك ولكن أليس من الممكن أنك حشرة على صخرة صغيرة بالنسبة لكائنٍ آخر عملاق جداً أنت لا تراه ولكنه يراك الآن ويجعل الأخشاب في طريقك والأحجار كما تفعل أنت بتلك الحشرة.
-
وفي النهاية انظر لهذا، يقول عز وجل (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( وذكر مما تعدون أنتم أيها البشر وليس لغيركم من الأمم.



رحمك الله تركي .




عندما ترسل سهام المنون لتخطف قلب أحد أحبابنا فهذا والله لأنه الألم والفقد والحرمان، عندما تأتي نسائم الموت وتأخذ معها أرواح من كنا نجالس ونحادث ونضاحك ونمازح، فهي تلفحنا بالألم وتلطمنا بالعذاب وتصيبنا بالوصب.هي الحياة هي الدنيا أبينا أم رضينا. هي ساعات متواردة وصفحات متقلبة فإن أتت بالسعادة و الهنا فستذيقك بعد لحظات من كأس الشقاء والكآبة. ولكن الله الله في الصبر والسلوان والتجلد و الرضوان.
برحيلك أيا (تركي)، تنجلي لنا قيمة هذه الحياة الحقة. وقدرها الضئيل. وكيف أن لا نغتر بها ونعتز. فهي عند الله أقل من جناح بعوضة. فها أنت بعظمتك وبهائك قد رحلت تاركا وراءك من ينوح ويبكي، ويدمع قلبه قبل عينه، وتجرح دموعه ساحات خده. تاركا من سيتقلب ليل نهار حزنا وكمدا عليك، ومن ستسمع أنين قلبه وحشرجة صوته، ومن سيختنق بالغصات الأليمة وتقطعه اللوعات القاسية ومن سينسحق فؤاده ويتوجع وكأنه لم يفرح بجمال صيف الحياة يوما.
رحلت أيا (تركي) بقلبك الطيب وبوحك الحسن وريحك الجميل. ذهبت مُفارقنا و ذهب معك جمال المحيى وحلو الطلعة ونقاء السريرة وبياض القلب.
عندما تختار المنية من تختار فإنها تقع على من نحب ونعشق ونجل ونُقدر. ربما يا أخي لم تجمعنا الكثير من الأوقات ولكن الأرواح قد أنست ببعضها البعض وتسامرت على أضواء القمر ونسائم الليل البارد الجميل.
ستدخل قبرا نسأل الله عز وجل باسمه العظيم الأعظم , الذي إذا دعيا به أجاب, وإذا سؤل به أعطى, ونسأله بأسمائه الحسنى كلها ما علمنا منها و ما لم نعلم, أن يجعله روضة من رياض الجنة وأن يوسع لك فيه مد بصرك وأن يغفر ذنبك, و يتوب عليك، ويُلهم أهلك وأقاربك الصبر والسلوان في فقدك, فوالله إنه لفقد أليم وجرح غائر بليغ، سيظل ينزف ما بقى ذكرك في الذاكرين، فلست بأقل من السلاطين الخالدين. فمثلك له لوحة جميلة عبقة الرائحة بهية المنظر متناسقة الألوان رسمها بخُلقه النبيل وعمله الجليل يراها كل من عرفك ولقاك، فيلهج لسانه لك بالدعاء بوافر الرحمة و الغفران.

هذه مصائب الدنيا وفيها خير، فالله سبحانه وتعالى من عدله و إنصافه بخلقه أن يجعل الخير بين رفوف الألم ويجعل النعيم بين صفحات العذاب، ولنا في رسولنا أسوة.


حرية مقتول.




مع هروب أشعة الشمس وتواريها وراء قطع السحاب الأحمر المتناثرة فوق الأفق. يهبط المساء بقوته وجبروته ليقتل أخر شعاعٍ أصفر وهو مثقلا بشوقٍ يتراءى لسكانِ الأرضِ مع تجلي النجوم والكواكب لينزله على صدري ويلوذ بالفرار كساعي بريدٍ أتعبه حمل الرسائل فلن يجد الراحة إلا في إيصالها وإنزالها عن كاهله. ولكنه وضعها على صدرٍ تعبٍ عانى الجوى والشجن فأحب الراحة من و عثاء سفر الأيام وكآبة منظر الزمان.
اختلاجاتٌ داخل الصدر وأعاصير هوجاء وبرق ورعد وشتاءً كشتاء كانون، ما تشعر بها إلا وقد عاث بها عفاريتها وجنونها ليحولوها إلى براكين ثائرة و حرارة متقدة تنفجر منها الشرايين و تتهالك معها الأعصاب. كل هذا مصدره قلبٌ صغير مشاكس يصارع الأضلع ويقاوم قيود الأوردة التي أحكمت وثاقة وكتبت عليه حياته وحكمت بالأسر والسجن و الظلام حتى لا يرى نورا ولا يستنشق هواءً.

الطائر المغرد، خلقه الله حراً طليقاً يسبح في فضاءات الكون الشاسع الكبير، يترك غصنا ليحط على آخر، يشرب هذا النبع ويقفز تلك الصخرة ، يغوص الحشائش ويستنشق الورد ، يرتقي جبلاً ويهبط وادياً. هذه حياته وفطرته وطبيعة خلقه وسرُ بقائه وبسمته، ويأتي إنسانٌ متيمٌ بالعبودية ليسجنه في قفصٍ وينتظر الإنشاد والتغريد.
البطش بالحرِ حريةٌ له، أما رأيت الكثير من مناضلي الحق لا يذيع صيتهم بين معاشر الجبناء وينتشر فكرهم إلا بعد السجن والسحق والقتل . سجن الجسد لا يعني حبس الروح، فالروح تحلق بالخارج فوق عشقه وهيامه بما آمن به.
هذا الصغير هو قلبٌ حرٌ في سماواتك وأراضيك ينافرُ داخل قفصه و يجالد، فلن يستسلم لسجّان ولن يركع لحاكم ويخضع لملك .
قلبٌ مناضلٌ مجاهدٌ في معركة ستٌحسمٌ في وقت من الأوقات ففيها متعةُ القتال من أجل أنثى العشق والشغف وملكة القلب والمَطلب.
يتراقص هذا السجين حيناً طرباً برؤية طيفك عندما يُحلقُ بين النجوم وهو مضطجعٌ على ظهره بداخل قفصه فيتوقف الزمن وتجمد الفكرة ويزيغ البصر. ويتقطع أنيناً حيناً أخرى عند شم رائحة عطرك المحفوظة بداخل رئتيه التي لم يُخرجها الزمن ولم تستبدلها الأيام.

سيبقى هذا السجين المناضل مناضلاً حتى تقتله يد الشرائع ويُعلق وهو مخضب بدمائه على شجرة العادات وتأكله غربان التقاليد وتقرئين نعيه في الصحافة صباحاً وحينها تبدأ رحلة حريته الحقة.


ملاحاة رجل ( 2 ) .





بعد أن تناولنا للخصومةَ التي تعرض لها ( أردوغان) في وقت سابق. فسنأتي هنا إلى ذكر الرجل الثاني الذي أودُ أن أُلمح له ولو بلمحةٍ وأوجز له بمُوجِزٍ عن أقواله وأعماله ومما رأيت من صفاته الكريمة وأخلاقه النبيلة وكيف قوبلت بالملاحاة والهجاء.
هو – كما رأيته – أحمدٌ وراشدٌ  وسعيدٌ وهذا رسمه وصفته واسمه ، ففضل الله واسعٌ يؤتيه من يشاء، فطابق الاسمُ الحالَ والصفةُ وافقت الموصوف.
حمل شمعةَ العلمِ بيده، ليسلط ضوءها على أركانٍ مظلمة، وزوايا حالكة. بعد أن كان الكثير منا يسير في دروب العتمة والسواد، ويتخبط ويحتطب كما ساري الليل وحاطبه. جاء وأهدى لنا سراجاً منيراً، وقنديلا مضيئا. ينير الطريق ويضيء الوجهة ليميز الصالح من الطالح والطيب من الخبيث. والفصل بين صادقٍ وأمينٍ ومُخلِصٍ وبين كاذب وخائنٍ ومحتال. في زمنٍ هو زمنُ المتاهاتِ وعصر الظلماتِ والأزمات.
تجده حينا مفكرا عميقاً، وتارة أديباً باهرا، حريريٌ في مقامَة و معريٌ في قصيدة. ومن هنا انفجرت براكين الحقد والحسد وسالت من فوهات خصومه حمم الحنق والغضب. اختار طريقاً يكشف فيه الحركة المتصهينة في مجتمعنا متمثلةً في قنوات ومؤسسات إعلامية كقناة العربية وصحفية الشرق الأوسط والجزيرة والرياض.
لم يحارب شخصا لذاته، ولم يقاتل أحداً لمصلحة في نفسه، بل سعى للسلم والسلام، والصلح والمهادنة. هو فقط سلط الضوء، وأخضع الأمر للدراسة. فأذعنت له الحقيقة، فكشف المؤامرات، وأظهر الخيانات، وأبان الصداقة من العداوات. أزال الغُمة، ومحا الظُلمة، فأسفر الفجرُ، وتفتحَ الزهرُ.
لم يذكر شيئا لم يذكروه في وسائلهم الإعلامية، فقط هو محَّص وتعمق وتَبَحَّر. ومما أورده حربُ هذه المؤسسات والقنوات على الحركات الإسلامية وكيف يستهزء أصحابها بالدين والإسلام والقران. وأيضا كيف ذهب بعض إخواننا لِلعقِ أقدام اليهود والصهاينة وكيف قدموا ما يستطيعون لإرضائهم ونيل ودهم وطلب عطفهم. ليس لسبب مقنع، ولكن هو طبع من يتَّبِعُ من يعطيه قطعةَ اللحمِ الأكبر.
قمتُ بزيارة لموقع وزارة الخارجية الإسرائيلية فوجدت ماذكر الدكتور أحمد بن راشد صحيحا وحقيقة. وكيف أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تُعيدُ نشرَ مقالات من يُطلقون على أنفسهم ( مثقفون) والذي تتواءم أفكارهم وكتاباتهم مع سياسةِ وخبثِ ودناءة اسرائيل. خذ مثلا لا حصرا: ( أمل الهزاني) و ( نبيل الحيدري) و ( محمد ال الشيخ ) و( عبد اللطيف الملحم) و ( عادل الطريفي) و الكثير الكثير. ولكن خذ مني النصيحة فقبل أن تقرأ لهم عليك بتناول دواء ( البروميسازين) الذي يمنع التقيء والغثيان لأنك ستجد رائحة الخيانة وسم الغدرِ ونتانة الأخلاق.
ابن سعيد لم يكذب على أحدٍ ولم يفترِ، فهمْ من يتمنى ويحلم بدولة اسرائيل الكبرى وموت كل ما هو فلسطيني وعربي.
ابن سعيد عرَّى قناة العربية ونزع عنها جلبابها وبيَّن كذبها ودجلِها وكيف تصنعُ الكِذْبة مثل جبل أحد ثم تُرسل خرافها للتحليل والتزيين و الإقناع بأن هذا هو الحق المُمَحص من الخداع والغَرَر.
ستجد عزيزي القارئ أن من حاربوا الدكتور ابن سعيد على ثلاثة أضرُب:
الأول: رُؤساءُ الإعلام و العاملون المباشرون في قناة العربية سيدة التصهين وقِبلة الفاسدين من مذيعين ومذيعات وممن لا يختلف عندهم لقمة العيش أحلالٌ كانت هي أم حرام.
الثاني : من لا يعمل في القناة بشكل مباشر وهم على صنفين إما أنهم قد استضيفوا سابقا في برامجِ القناة ويريدون المحافظة على هذا البريق واللمعان المزيف. أو أنهم يسعون ويحلمون بالجلوس أمام كاميرات العربية.
الثالث: وهم (القُطعانُ) كما أصفهم وهم الأغلب وممن رأى عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه وهم ملوك الحُمْق. فالبَلَهُ وضَعهم تيجاناً على رأسه والغباء يأخذ منهم وصفه. المنقادون وراء تماثيلهم والساجدون الراكعون لأصنامهم فإن يمن الصنم يمنوا وإن شمَّل شملوا. لا يفقه إلا ما لُقِن ولا يصدِّق إلا ما أُخبِر. عطلوا العقول وعاشوا دون المأمول. فالأفئدة خاوية، والقلوب كالأكوازِ مجخية، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكراً. وبالعامية نَصِفُهم بـ ( يدربي راسه (
هذا ما فعله أحمدٌ بن سعيد, فلماذا تنادوا في النوادي ( أن اقبلوا معاشر القطعان ) ولماذا اصطفوا كلهم في صفٍ واحدٍ ضده إن لم يكن على حق؟ وإن لم يكن أصابهم في مقتل؟




ملاحاة رجل (1).





برق في ذهني هذا المصطلح وأنا أرى وأسمع الكثير من الملاحاة في المجالسِ ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا طبعيٌّ ومألوفٌ بيننا نحن العرب، فالرجل منا وهو على كرسي الفراغ ووسائد الخلاء والخواء لا يطفئ لوعته إلا النقد واللوم وتكسير مجاديف قوارب الآخرين حتى لا يصلوا إلى ما لم يستطع هو الوصول إليه .

سأعرض بين يديكم مثالين لرجلين نالهم الكثير من النقد والملاحاة والخصومة لا لشيء إلا أنهما صدعا بكلمة الحق، وتناديا بكشف الخونة الكذابين من مؤسسات وأشخاص لهم مشاربهم المتعددة وطقوسهم السرية، ومصالحهم التي تشترك أحيانا وتفترق أحيانا. وأنا هنا لست إلا مجرد مسلطٌ للضوء إلى أمر أزعجني وأساءني، فلكل وادٍ في العين منظر، ولكل بقعةٍ في النفس أثر.

الرجل الأول هو الرئيس التركي ( أردوغان)، الذي صرح مرارا بتوجهاته الشخصية التي لا تتنافى مع مصلحة دولته تركيا ومصلحة شعبه الذي اختاره وانتخبه، والتي أيضا لا يجب أن تتقاطع مع مصالح المسلمين فنحن في فرقة عن بعض وعزلة عن مصالح بعض. ورجل في قامته يملك الحرية التامة في قول ما يريد وعمل ما يريد وهو أعلم بهذا ولا يضره نباح من نبح أو صياح من صاح. وفي تصريحاته الأخيرة على ما يدور في دولة مصر وما حصل فيها من قتل للأبرياء وسفك للدماء قد أثار غضب البعض وهم قلة قليلة عددا، ولكنهم وللحق كثيرون عملا. فقد أصابهم الذعر من تصريحاته وصار حالهم كحالهم يوم القيامة، أو كأنهم في معركة شديدة، فالقنابل تتوالى، والقذائف تتعاقب كالمطر إذ انهمر، عندها تكاتفت القلة القليلة وقاموا بملاحاة الرجل وسبه وشتمه وإلحاق الأذى اللفظي، وقاموا بهجومهم السخيف وعيروه بأجداده العظماء، وهذه حيلة العاجز وبضاعة المفلس. وقد قالها الشاعر :

إذا لم يكن للمرء عينُ بصيرةٍ…. فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفرُ.

ومن هم أجداده يا ترى ؟

هم خلفاء المسلمين ، هم من حكموا الدنيا بأسرها من مشرق الصين إلى مغرب الدنيا. هم من ركعت لهم جبابرة العالم ، وأباطرة أوروبا وملوكها. هم من كان البحر الأحمر بعظمته واتساعه بحيرةً مغلقةً في دولتهم. هم من حق الحق ورفع راية التوحيد والعزة والخلافة. بمثل هؤلاء يُعير ( أردوغان) .

أنى يرى الشمس خفاشٌ يلاحظها …. والشمس تُبهر أبصار الخفافيش.

عيروه بالخلافة وليس بعجب. فهم مصابون بداء انتكاس المفاهيم وقلب المصطلحات. فالخلافة أمرها عظيم وشأنها جسيم على أحلام العصافير. وهي في كأسٍ أكبرُ من أن يُساغَ بجرعة واحدة. تلك الخلافة التي فتحت القسطنطينية التي بشر رسول العالمين فاتحها . والتي كانت عاصمة الرومان ومقرهم وعقر دار الأرثوذكسية الشرقية التي يتباكى عليها اليوم ( صعاليك القوم ) والذين ساءهم دخول الإسلام إليها وانتشار العدل في أرجائها ويتمنون أن لو كانوا موجودين حين فتحها حتى يجهزوا على الفاتح أو يغدروا به فداءً لدولة الصليب وفداءً لملوكها وقساوستها.

عيروه بـ ( سليم الأول) قاهر الصفوية ومُذل المجوسية الأنجاس أعداء االله والدين صاحب الرسالة لتي قال فيها مخاطباً اسماعيل الصوفي : ( إن كنت رجلاً فلاقني في الميدان ولن نمل انتظارك ). عيره ب (عثمان الأول) و ( سليمان القانوني) و ( عبد الحميد الثاني) قاهر اليهود حافظ الأمانات والعهود.

يقول كبيرهم ( محمد ال الشيخ ) : تجد الدم والقتل أين ما حلوا الترك . نعم عزيزي تجد الدم والقتل وكذلك تجد التسامح واللين بابا مفتوحا على مصراعيه. ولك أن تقرأ ما كتبه ( توماس أرنولد) وكيف كان يدخل المسيحيون طوعاً إلى الإسلام ، وكيف لجأ يهود أسبانيا إلى سماحة وعدل الترك. وأن (مقاريوس ) بطريرك كنيسة أنطاكيا كان يقول :( أدام الله بقاء دولة الترك خالدةً إلى الأبد) مما رأى من عدل الإسلام وسماحة أهله.

وليت (آل الشيخ ) وأطفاله ينسبون الدم والقتل لمحاكم التفتيش التي كانت تقام ضد أخوته في الدين في الأندلس ولكنها صعلكة العلم والتبجح والكبر وبيع الحرف لصاحب الشيك الأكبر.

( أردوغان) يا عزيزي لا يبحث عن ( خلافة ) فهي أكبر وأشمل . ولكن كن أكيداً أن لمزك إياه بتلك الكلمات ما هي إلى عز له وفخرا بأمجاده وأجداده ولكنها الغضبة النجدية على محمد علي باشا التي لم تُنسَ مع الأيام ، وكذلك الخوف من الحكم ( الإسلامي) للمنطقة والذي قد يقفل مراقصكم ودور السكر والعربدة .

أما  الرجل الآخر الذي أريد التطرق له فسأتركه للقاء القادم خوف الإطالة.

رابط المقال في الصحيفة. http://t.co/hreoFRo2je


مجزرة في رابعة







وفي عامِ أربعةٍ وثلاثين وأربعمائة وألف ولسبع ليال ذهبن من شهر شوال وقعت مجزرةٌ عظيمة ومعركةٌ جسيمة، وَصَبُها شيبَ الشباب، ووقعُها قطَّع الأوصالَ والرقاب. في مكانٍ يسمى رابعة العدوية، من أرضِ مِصر الأبية، أرضُ المعالي والنصرُ دِيرة الإخلاص. و المكرمون أحفادُ ابن أبي العاص، معركةٌ ليستْ ضد مشركٍ أو كافر، ولا ملحدٍ أو من الشهادةِ نافر، تلك كانت حرباً ظلوم، من ظالمٍ على مظلوم، لم تَطْوُل كما داحسَ والغبراء، أو  البسوسَ النكراء، بل صبَّحوهم مع بزغت الشمسِ، وقبل أُفولها لم يبقى لهم من همسِ، ويروى أن فيها سالت الدماءُ في الأزقةِ والشوارع، ونالَ القتلُ من كل حاصدٍ وزارع، وكان البدء بالكهلِ والطفلِ الرضيع، والنحرُ والذبحُ وكلٌ بما يستطيع، وكأنها حربٌ عرقية، قاصيةُ التخيلِ لا أخلاقية، قويٌ متسربلٌ بالسلاح، مقابل أعزل ريحُ الضعفِ منه فاح، لا لذنبٍ ارتكبوه، ولا لجرمٍ فعلوه، فقط لحقِهم في وطنِهم خرجوا، ولرئيسهم المنتخبُ سألوا، كانوا يشهدون الشهادة، ويؤدون الصلاةَ على سجادة، مؤمنون بالله موحدون، وللأمانات هم محافظون، أُطلقت عليهمُ النيرانُ وهم عزَّل، والرصاص من كل حدبٍ يتنزَّل، رفعوا أصابعَ الإبهامِ، لينجلي الحقُ من تحت الأوهامِ، وفاضت الأرواحُ لبارئها، وتوالت التكبيرات في نواحيها، كانت نكسةً بليغة، ووقاحةً جريئة. قتلوا الأبرياءَ وأعدَموهم، ثم مثلوا بهم وأحرقُوهم. من بقي حياً نشُط في الأبحاث، فلم يعد يفرقُ بين ذكورٍ كانوا أم إناث،  كانت سقطةً أخلاقيةً للعسكر، لمن به عقلٌ أو تذكر، ويروى أيضاً أن جيش مِصر كان  أمامَ الأعداءِ هوانا. فإذ به ضد الأبرياءِ لم يتوانا. لم يواجه أو يهدد إسرائيل، ولو بالتلميحِ أو بالنزرِ الضئيل، فتاريخُه الأبيضْ، للعار والخزي قد تعرَّضْ، قاده قائدٌ أهوَّج، أبدعَ النفاقَ وللكذبِ روَّج، وبالعهد غدَرَ وخَان، وجاوزَ رايةَ الحقِ للبهتان، وفيما ذُكر أنه يكنى السيسِيْ، رئيس الدفاع جالب المآسِيْ، لاصب الله عليه شآبيب الرحمة،  وأعطاه ما يستحقُ من قِسمة


 

من لا عقل له يُحدث ذي عقل. ( ابراهيم البليهي في حائل ) *








أُلقي على سمعي أن الكاتب والمفكر بعد صلاة العشاء،  سيكون في اللقاء، ليزيل الحُزن والشقاء. ولسابق علمٍ عندي بأننا نملِك أزمة تعريفٍ للمصطلحات فلا وجود في قواميسنا العقلية لتعريف لكلمات مثل ( مفكر - مثقف - كاتب ) أو لأي من الكلمات العائمة المطاطية التي تستخدم كثيرا في الإظلال والتموية والتحريف والتزييف، فالأمر فيها على سعته، وللكل الحق في أن يدلي بدلوه مع الدلاء، ويُبَسِّط تعريفه بما يوجب الإدلاء.. ومع هذا أحببت أن أحضر اللقاء .
 (مفهوم العقل) عنوانه, وفي النادي الأدبي مكانه.
استهلَ نابغةُ عصرهِ، وداهيةُ قومِه، حديثَه وكأنه في معركة، وللآخر لا يرجو سماع كلمة ولا رؤية حركة، ذاكرا سلبيات المجتمع وخص بالذكر أهل مدينة حائل، من حازوا تاج الطِيب وقمة الشمائل، والقاصين عن النقصِ والرذائل، معبرا عن استيائه مما كان في حفل استقباله، فهو كما يرى حاله، من عريق السلالة، شريف الأصالة، ذي السمو والجلالة.  
العنوان جذاب، والأفكار أخاذه، والفقرات لافته. ولكن تحت الرماد نار تلظى. يغفل عنها غائب اللُّب، جاهلُ العلم، طيبُ النيةِ والسريرة .
مد يده لكنانته وأخذ سهماً من سهام شتائمه وسبابه ليرمي بها معارضيه بكلمات خارجة عن السياق،والذوق والأدب،  فقتل مبدأ الحرية من لقاء الحرية التي يتغنى بها هو ومن على شاكلته. وأقام تناقض الفكرة مع وأدِهِ لحرية الرأي والمشورة.
جاء ممثلا للحرية والتفكير – كما يقول – وكيف تستخدم العقل وتحرر الذات من عادات المجتمع وتقاليد العامة وأن تجعل ساحتك فاضية خالية من كل شيء – كل شيء- ثم تبدأ بملئها بأفكار ومبادئ تأخذها من العدم وتأتي بها للوجود.
تُخرج مُسلماتك من بوتقة عقلك وتحشر مكانها معطيات تتعاطى مع معطيات العصر وتعصر معها قليلا من التحرر والعري الأخلاقي وتتخلق بأخلاق ارسطو وافلاطون. وتتصورها صورة جنائزية كصورة الصحراء المصابة بالعطش والأرض التي تنهار.
هرطقة وصف كلمات بجانب بعضها البعض, كسراب بقيعة يراه الضمان الماء حتى اذا جاءه لم يجد شيئاً.  
يقول أيضا يجب أن تخلي ساحة تفكيرك مما علق بها من تراث ودين ومبدأ وانطلق للسماء ولكن من غير قاعدة ومن غير أسس. وكأنه لسان حاله يقول: يجب العودة لما قبل العصر الترياسي لنرى الديناصور ثم الانطلاق من جديد، مع الحذر من الديانات والرسائل السماوية كما الهر والكلب والثعلب والخنزير.
ثم أردف بجملة فضفاضة يقول فيها ( العقل يحتله الأسبق إليه ) هذه جملة صحيحة ولكن أكمل يقول (والعقل يرفض تماما التخلص منها). وكان يقصد أن من سلم عقله لأغلال الدين وقيود المشايخ والعلماء فإنه لن يتخلص منها أبدا. وكذلك من ألحد ونشأ على اللادين . ألم يعلم الاستاذ ( البليهي ) أن المنطق والواقع يتنافى مع كلامه. فالواقع يقول أن الكثير من الملحدين نشأوا وتربوا على اللادين وبعد أن بلغ من العمر عتيا ورسخ كل هذا في عقولهم الواعية واللاواعية أو ما أطلق عليه هو ( العقل المتكون والمكون ) وفي لحظة إيمان وتفكر مَحَى وتخلى عن كل ماكان مؤمنا به طوال ما مضى من عمره وألقى بكل هذه الخزعبلات، نادما على وقته الذي أضاعه ثم أقبل على الحق مؤمنا مطمئنا . ولنا في الكثير من الشخصيات المعاصرة الأمثلة والبيان مثل : زكي مبارك ، و طه حسين ، وعبد الرحمن بدوي و مصطفى محمود وغيرهم الكثير الكثير.
لاحظت كغيري ولعه الشديد بالغرب وبالثقافة اليونانية تحديدا، واعتبارها هي أول العلوم وبداية الفكر البشري غاضا بصره عن ما سبقها من اقوام وحضارات كالمصرية والكلدانية، بل وانبهاره الشديد وتمجيده لكل جديد، من غير تصفية أو تحديد. وبالمقابل كرهه الشديد لنفسه أولا ولقبيلته ثانيا ولأمته ولعروبته ثالثا. فقد كان هذا الثالوث مرعبا له، يسهده ليلا ويخنقه نهارا، وفي نفس الحال كان يجلد نفسه بسياط التخلف والغباء كل ما وجد الوقت المناسب لذلك الجلد. وعرفت منه قلة عقله عندما حار وارتبك في مفهوم  (خير أمة أخرجت للناس) مع أننا نقبع في ذيل القائمة من حيث التقنية والعلم والسياسة والقوة الاقتصادية متغافلا عن بقية الآية الكريمة التي تدعونا للأخذ بالاسباب ومن أهمها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الأمر الذي يستحيل أن يتطرق له البليهي وزمرته .
ثم عرج على التاريخ، وأبدع في نسف وتقويض كل مجدٍ عربي وكل فوزٍ إسلامي على مدار التاريخ، فلا أدري أهو جاهل بالتاريخ أم هي كثرة بحوثه وكثرة إطلاعه على الباطل وكثرة ثقافته – كما وصفها هو – أعمته عن غيرها.
سألته هل هذا التخلف الذي يقول هو تخلف شعوب أم تخلف حكومات ؟ فالتف على السؤال وأجاب بأنها تخلف ثقافة. قلت وما هي الثقافة في تعريفك ؟ فسكت.
أسقط إسقاطاته الغبية السمجة عندما ذكر أن الحضارة الغربية لم ترى النور إلى بعد أن كُسرت الكنيسة - هو اختار لفظة (كُسرت) وكسر الكنيسة في مدلولاتها هو هدم الدين بكامله. فلم يقل هدم سطوة الكنيسة أو كسر ظلم الكنيسة بل قال هدم الكنيسة، ولك أن تستبدل لفظ (الكنيسة) بالمسجد. وهذا هو ما يريده .
وكعادته - وعادة إخوانه في الفكر العقيم، وقلة الحجة وسقم النقاش- وفي شدة غضبه وحنقه الغير مبرر لم ينسى أن يأتي على سب وشتم الداعية الدكتور محمد العريفي فهو ديدنه وديدن من أرسله، ولكنه لم يتجرأ على التصريح بالاسم مخافة أن يفهم مقصده فقال بالحرف وكأنه أنشتاين العصر ( أنا لست مثل من يتبعه أربعة ملايين متابع في موقع تويتر لأن الأغلبية تتبع السهل المنقاد المكرر للكلام. أما المثقف والمفكر وصاحب النظريات الجديدة فلا أحد يستمع له).
سأله أحد الحضور ( من هو المفكر ؟ ) قال هو الخارج من داخل القمقم ؟ ويقصد بالقمقم  مظلة الشريعة والدين .
اسقاطات لم يفهمها البعض والبعض فهمها حتى عندما قال إن الاستبداد السياسي ولى وذهب وما زال الاستبداد الثقافي وسيزول عن قريب. فلم يجب عن سؤال ماهية الاستبداد الثقافي ؟ مع أنه يتكلم من على منبر حر ولم يلجمه أحد.
عزيزي المفكر ( البليهي ): أنت كمن يريد أن يبيع الفحم في سوق الذهب. فبضاعتك كاسدة، وما من منبر صعدته إلا وكان تفسخ لفكرك وعري لعقلك وأظهر سوادا لنيتك.
حربك هي حرب على الدين، تحت مصطلحات أنت لا تفقهها ولا تفقه مدلولاتها. ولكنه الانقياد والخضوع ولعق الأحذية مقابل المال،  وممارسة دور الببغاء في المجتمع، وليس هذا بجديد فقد سبقك اباطرة وعمالقة ومفكرين حق، فتكسرت مجاديفهم على صخره، وسحقت جماجمهم تحت أقدام حاملوه.
فأنت وحزبك تتداعون في هجمة فكرية لطمس هوية الأمة وإذابتها في الثقافة الغربية المفلسة الدنية، ( وودوا لو تكفرون )، رضعوا الحق فتقيؤوه، وقبضوا على الصدق ثم قذفوه.
فمحارب الحقِ والبهتان لا يسلم من العطب، كمن يقطع الصلب بالخشب . 



*هي قديمة قليلا, فقد كتبتها ثم أضعتها ولما وجدتها نشرتها..

تبسُم الكلمة مع صاحب كرشِ مستسلمة .




قيل أن كل ذي كرشٍ، يكون ذا عقلٍ.
من المبدأ الذي يقول الجسم السليم وعاءٌ  للعقل السليم .
فسأضرب المثل من غير اعتداء، وأطلب الصفحَ على الأخطاء، فأنتم أصحابي من أهل الذكاء، وأهل المشورة والدهاء، فاقبلوها مني رغم الخَواء، وبلا غيظ وحقد وهذا رجاء.
فهناك من بني جلدتي هوامٌ تسير، تأكلُ اللحم والثريد، بالبلع والزريط.
كفه المخراش، لا خوف ولا ارتعاش، يلتقم اللقمة مرميًا على الفراش، غالقًا سمعه مبتعدا عن الفهمِ والنقاش، ومن الفراش يُنقلُ إلى غرفة الإنعاش، فلا يُسأل أميتٌ هو أم عاش.
المعدةُ خلاط، تُتقنُ الشبك والاختلاط، وهرسَ كل ما على السماط، مهما بلغت الأصناف والأنماط، فلا  يصيبها المللُ ولا الإحباط، بل من نشاطٍ إلى نشاط. ولو دخلها ما بين طنجةَ والرباط ، ما زادها إلا من الشحمِ أمشاط.
ولا تسأل في الفمِ ماذا صار؟ فقد توقف العقل واحتار ، فنادى يا رب يا ستار، وأسدل من العجبِ الأستار، ففي القطعِ كأنهُ الصارمُ البتارِ، وفي التقليب كأنه مكينة عطار، فترى الداخلَ من اللحمِ والثمار، يصيبُه الخرابُ والدمار، فلا يقوى إلا أن ينهار، أمام صاحب القوةِ الجبار، وبعد أن كان حقيقة أصبح تذكار، ولا فرق عنده بين باردٍ أو حار، أو حامض  أو به رشةَ بُهار، فالكل بين فكيه في حصار، ومن ضرر إلى ضرار، ولا مهرب من هذه الضروسِ والأسوار، إلا لكرش ٍ وأمعاء، كأنها أكبر وعاء، أو دلوٍ من ضِمن الدلاء ، لا تعرف الشبع والاستغناء ، ولا التعب والإعياء ، أو الخجل والحياء، فلها من القرقرة أصداء، وبالليل تطلق الثُغاء، فصاحبها مسكين في عناء، فقد أصابه البُعد والجفاء، ومله الأعداءُ والحلفاء، وكرهَ انبعاثَه الأصدقاء، وليس معه من بنات حواء، لا حمراء ولا صفراء، فقد تكوَّر كالخنفساء ، فداءه من غير دواء، فكم أعياء من الطب والأطباء ، فهو يلتهم الغداء في انتظار العشاء.

فيا أهل المشورة والدهاء ، هل هو من معشر السعداء أم أخٌ لأبناء التعساء ؟