دوامةٌ وَ دهلِيزٌ







يا رفيقي في نكبات الأيام وكبَتات الشعور، يامن دام يشاركني لحظات الانعتاق عند نقطة سوداء تؤوب إليها كتائب التشوق لنكرة ما، يامن يؤمن معي بأننا اكتفينا من نشرات الأخبار بموجز الطقس الحثيث، واستغنينا من تفسيرات الحروب بأحاديث كِبار القوم في المجالس، هلُم نتناجى في سماءٍ حالمة قاصية عن أرضٍ ضيقة، فهمسات بوحك مازالت هي مراكب الإنقاذ من لججِ المحيط الهادر. دعْ عنك خُزعبلات تُخط عند تموجِ سحائبِ النبتة الفاسدة بعد مشاهدَ تُقام خلف ستائر المسرح الراقص فهي لا تعدو أن تكون خيالات بزغت من عدمٍ بعد قرع أنيةٍ تشفُّ عن صُفرةٍ مُشِجت بحُمرة، أغوتنا سوياً بشعلةٍ لم تُسفر، وحرفٍ لم يُبين، ونغمةٍ لم تُبهج. انظر كتاب الكون الواقع فأنت لا تدرك منه إلا ما زال، تأمل لحظات السفر، أهي روح ترحل أم تموجات تضطرب داخل خلجات النفس؟ ثم أمعن النظر وتأمل تلك الخلجات، أهي بذات التعرجات التي تغشى أُماً فُصِلت عن وحيدها تحت أنقاضٍ وما زال يبرق سناه أمام عيني خيالها؟ نَقِّب عن جوابٍ ولا تبتئس وأنت ترى أسرابَ بُغاث الطيرِ تُحلق فوق صقرٍ منزوع الريش، فالحياة تحفُ الكون مُنتشرة، والموت يقبع تحت أرماسٍ ثابتة. لابد وأن تعود أنتَ إلى حيثما كنت، حرفا تَراصَفَ أمام لوحاتِ النظر، لونُك من نزيف روحك، تقطعُ بحدِّك الجوف، فيضطرم فؤاد ويهوي فتهوي معه تيجانٌ وعروش. كأني بالرِّقاب من خلف أسوار المدينة تشرئب لمقدمك البهيج، والحيارى يتسابقن لتسلق أشجار النخيل لتفوز إحداهن ببشارة الوصول، في هدوء مدينةٍ مريب، وطأطأة رؤوسٍ مُهيب، واتساع محاجر لعيونٍ يدور عبيدُها في متاهاتِ أمواج البحار، وانقطاع قلوبٍ بلغت الحناجر، وتوقفِ أنفاسٍ خلف المناخر، فما هي إلا برهة فتُدوي صيحات الفرح وترتج أرجاء المدينة لمقدمِ غيثٍ نامت حروفه وضعفت جذوته. لن تعدم الحيلة التي ألجأك إليها أدبٌ جم مقتته مضخات الصدور العتيقة، فقد ترى فيما تحب القناعة به، لكن ليس بالضرورة أنه يستوجب من الآخرين ما استوجبه منك، البحرُ في أصلِ معدنه كالبدر في علوِ مطلعه، ذاك يبتلع دراً مع وحل، وهذا يُضيئ قحلاً مع خصب، هي هكذا اللعبة فإن أعجبتك وإلا فمسالك الخروج ألينُ من مسلك الدخول.

صفعةٌ من نوعٍ آخر







يبدو أننا كائنات "شكّاية" لا تتقن غير التألم والعويل، نعتقد أننا محور الزمان، أو أن الحياة ستفنى إن نحن فنينا. من طبيعتنا أن نبحث عن مأوى ونلوذ بركن ونفتش عن رعاية وننقب عن كلمة تُحيينا أو إشارة تمنحنا أملا. حُب الذات فطرة، ولكن لا نتطرف بها إلى نظرة (هوبس) الشاذة والتي نظر هو من خلالها إلى أن حب الذات قاعدة أخلاقية وحيدة في البشر، حتى ذهب به ادعاؤه أن فسّر الضحك على أنه حالة نفسية لا تعدو أن تكون نوعا من الاستعلاء والكبرياء نستشعرها عند رؤية زلات الآخرين، ولا هي تتطرف إلى الناحية المُقابلة فتغدو قيمة مُهانة تحط من قدر صاحبها فتُركبه البغلة بعد الفرس الشهباء. دعونا من هذا التنظير المنكود وننظر إلى واقع لحظاتنا وسير خطواتنا من درب إلى درب آخر. ها نحن نشقى بالجنون ولا نسعد بالعقل، نغضب من الزحام ولا نفرح في الخلاء، تنفرُ النفس من الصداع ولا تتلذذ بالصحة، نتعذر بضيق الوقت فإذا أُفرغت أوقاتنا غفلنا، يوحشنا طول نأي المُحبين فإذا لقيناهم لم نغتبط بما يُعادل تلك الوحشة، نتملل من الروتين والخُطى المعتادة ولا ننشرح بالجديد، نهرب من الملل فنعبر القارات فإذ به يستقبلنا كاشف الرأس، نتبرم من العمل ولا نسلو في أوقات غير العمل، نفرح فرح الضال في البادية يرى معالم الطريق، فنسأم سأم المُهتدي في المدينة يحفظ معالم الطريق. وكأننا في معركة مع الموت الزؤام.

هناك خللٌ ما عشعش في رؤوسنا، وسيطر على أطرافنا متمثلٌ في كينونة مجتمعنا القاتل، القائم على ثلاثة أركان فتّاكة، يبدؤونك باللوم على "ابتسامة"، فتشعر أنك ضحية، لم تعمل عملا يسلبهم مالهم، أو ما يكدر وجودهم، ولكنك مُلام لا محالة، ثم تنتقل معك النظرات إلى النقد الخانق، تنهار منظومتك الداخلية، تتفسخ اعتقاداتك، تنحلُّ مداركك، يخور ذاتك. وهل في ذلك كفاية؟ بل ينتقلون بك إلى المستوى الأخير من العدم، مقارنتك بآخر، وهي المُهلكة. يدفعون بك للتردي من علو لعلك تهلك أو تتحطم عظامك. أما تراهم يجعلون وَكْدَهم وهِجِّيراهم لإهلاكك، فلماذا سمحنا لهم؟ من المُحال أن نُغير واقع الظروف، ولكن ليس علينا أن نرقص معها، بمقدورنا التحكم في ذواتنا بأفكارنا. تعال وأخبرني، هل تستطيع أن تُقزِّم حالتك المضطربة أو معضلاتك اليومية وتجعلها فقط موجودة في إدراكك؟ غيرُك استطاع فحاول ذلك. في الطريق السريع إن كُنا مستعجلين فالمئات من حولنا يسيرون ببطيء شديد وكأنهم عاطلون عن العمل، وإن كنا متمهلين فالمئات أيضا من حولنا يسيرون بسرعة مجنونة وكأن الدنيا شارفت على الإقلاع. لا بأس أن نقتبس هنا بعضا من مبادئ المذهب اللامادي البائس في أن الحقائق موجودة في أدمغتنا فقط وإن كان ذلك من باب الخيال. فمرحبا بخيالٍ يرتفع بروحي عن تعقيدات الواقع. لا تمنح أحد عِنان دابتك ولا تسبح ضد تيار الحياة اللجب، كُن هادئا فالعربة الفارغة أكثر ضجيجا من العربة الملأى واذكر قوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).


بيان الخمسة والخمسين عالما.





من القبيح -فكريا على الأقل- أن تُجادل أحدهم في حقيقة ضوء النهار، وليس جميلا أن ينوء بك المراء لإقناع أحدهم بأن الشتاءَ باردٌ والصيف حار. أمورٌ مسلمٌ بها يتجاوزها كل عاقل حصيف. ومع هذا يبقى في النفس الإنسانية شيءٌ من طباعها لا تهجره ولا تخذله، وبالأخص إن كان الخصمُ يبثُ الداء تحت ستارِ الجهلِ ويتنقلُ بين المجالسِ لم يستُر كذبه ولم يُضمر كيده.
وقف خمسة وخمسون عالما وقفةً أوجبتها عليهم عقيدة المسلم أخو المسلم ومبدأ النصح والتوجيه وباعث الإرشاد والهُدى وأصدروا بيانا واضحا جليا فصيحا، يصفون بين طياته عدوا روسياً ينهشُ أخا سورياً، يشدون من أزر الأخ إذ تكالبت عليه الأمم.

فهمَ المعنى كما هو من كان يفهمُ لغة العرب وينظر لواقعٍ دموي مرير زاد عن أربع سنوات وسبعة أشهرٍ ما انفكَ فيه المظلوم محترقا تحت نار الظالم لا تلبثُ وأن تُمسك بأطراف ثياب من حوله. حزبٌ آخر غالوا في التأويل والتفسير وتحوير الكلم عن موضعه فأحالوا البيان فتوى، والوضوح إبهاما، والجلاء إضمارا، والفَصْح عياً، جعلوا من بيان العلماء دعوةً وتحريضا للغرِّ من الشباب ثم قيدوه تعسفا بجهاد الأفغان في أعوام ما تلت 1979، هذا الحزب الآخر وموقفه المبطنُ من بيان العلماء عندي على صنفين: فصنفٌ لا يعلم وصنف لم يقرأ، فالأول لم يطّلع على جهاد الأفغان إلا ما تناقلته ألسنةُ العجائز فما تفتأ تُردده رغم جلاء الحقيقة، الحقيقةُ التي تُعلن عن نفسها أن غالب المؤسسة الدينية في جهاد أفغانستان هو الكيان الرسمي -ربما الوحيد- الذي تردد في إرسال الشباب إلى ميادين المعركة وكانت لا تراه فرضَ عينٍ، وقد فصّل في هذا الشيخ "سفر الحوالي" في محاضرته الشهيرة "مفهوم الجهاد" ويمكن لطالب الحق الرجوع إليها على موقعه. الشيخ "سلمان العودة" أنهكه التبيين والتوضيح عن موقفه آنذاك وأنه كان عدوا للتحريض وإرسال البعثات من الشباب وكان يرى أن الأفغان ينقصهم المال، يقول ما نصه "كنت ولا زلتُ مؤيداً لقضية أفغانستان، وأدعو إلى التبرع لأفغانستان"، بل هناك شخصيات دولية بارزة منهم الشيخ "القرضاوي" الذي جادل بأنه يكفي دعم الأفغان ماديا، ولِحسن الترابي موقفا شبيها بهذا. هذا هو الواقع وهذا هو ضوء النهار الذي يراه الكفيف. أما الثاني الذي لا يقرأ، فهم محبو العجلة الذين اكتفوا بأول خبر تلقوه وأول تصريح سمعوه، لم يُجهدوا أنفسهم في قراءة البيان كما أجهدوها في تحليل الهباء، ولم يُريحوا أنفسهم من الجدال كما أراحوها عن الاطلاع، وما هم إلا من أتباع الهوى والذي وصفهم الألباني رحمه الله (طالب الحق يكفيه الدليل، وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل، الجاهل يُعلَّم، وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل). وبعدُ هذا، فمن أصرّ على التلويح بكلمة "التحريض" فهو كمن أراد أن يخصي أسدا رابضا منذ سنوات، آثر الهدوء فلا تزعجه في مربضه فيثور عليك ولن تقوى الامتناع، ومن أراد إسكات الحلوق فلا يحومنَّ تالياَ حول حمى حرية التعبير. 

هديل الهشلمون، لاتصالحي .







عندما كانت العرب عربا، والرجال رجالا، يصدح الحق رغم أنف الطغاة، يُخرجُ الذل أعاصير هوجاء، تحتجبُ الشمسُ من آثارِ النقع فوق الرؤوس، تسوَد الصفراء، يرتج الكون غِبطة لغضبة الحق، كان هذا عندما كان الحق حقا في ذاته لا انعكاسا لضمائر تسجد للدرهم والدينار، وتفاهات تُرفع هنا وهناك. بالأمس البعيد في عصر الرجعية البريئة عن كل دنس، المُطهرة من كل عيب، كانت العِزة تحلفُ بكل روحٍ مسلمة، وتسجدُ ذاعنةً  لكل جبهة ساجدة، كان الإباء يسرحُ في مراعي الشرف ملتفةً حول الأرض يُلامس عنان السماء، كانت كلمةَ مظلومٍ تُدوي فوق منبر في صحراء نائية فتجاوبها أمواج المحيطات وشهب الشياطين. اليوم، وآهٍ من اليوم، نامَ الصغار تحت أقدام الكبار، جُردت العذراء أمام أعين البلهاء، طُمست الأنفة فوق جماجم الأولياء، أُسدل الستار وصفَّق المسلمون، فقد قُتلت "هديل الهشلمون"، برصاصة باردة، ليست بأكثر برودة من دماء الحمقى والمغفلين، وبابتسامة صهيونية ساخرة، سالت دماء النزاهة عن أن تمسها يد النجاسة. أيا هديل، أغمضت عيناك كمحارتين، وسُلت روحك كأنفاس النسيم، جُعلت الجنة مثواك، والكوثر مسقاكِ، غادرت ونحن في أوكار الذل نمرح ونفرح، وعلى قرون الشيطان نكتئب ونغتم. 

 يا ملائكة الرحمة ويا أرباب العفاريت، هديلٌ، أليست بعربية! فأين زعماء القومية العربية؟ هديلٌ، أليست بفتاة! فأين مدعو حقوق المرأة؟ هديلٌ، أليست مسلمة! فأين دُمى المؤتمر الإسلامي؟ هديلٌ، أليست بشرية! فأين كهنة حقوق الإنسان ومشعوذي المساواة واللاتمييز؟ ارتفع الصراخ وتنادت النوادي وتوالت الهتافات، فعاد الصدى بالجواب البائس، هي عفيفة شريفة فلسطينية عربية مسلمة أبية، فماذا تريدون؟ وكأني بأبواق الصهيونية وهي تسخر من كل مسلم، وتشمئز من كل عربي. ياربُ إن القلوب تطرق حناجر الصدور، والغضب يملأ الكون، فاجعلها ثورة تُحيي العظام الرميم، وتُنبت مردة الحق لسحق أوهام الباطل. في فلسطين وعند قبور الشهداء وتحت دماء "هديل"، تظهر كلمات الطبيعة بأننا لا نستحق العيش والتباهي بالأمجاد والأحساب، فما نحن إلا قطيعٌ نتبعُ أكثرنا هرما وأعظمنا ضعفا. أيا هديل، لكِ خالق البريات، ومزلزل الجبال العظيمات، ومحيي الأنفس الميتات. ولعلك تُقرئين "الدرة" منا السلام، وأعلميه أننا ما زلنا نتساءل سؤال الوجود ذاته "وين الملايين، الشعب العربي وين؟". 


لحظات تحت المطر.



راعٍ للغنم على قمةٍ شاهقة تخترق السحاب تارة ويلامسها تارة أخرى، يأخذني غروري لرفع يدي لعلي أبلغ السماء، تلامسُ وجهي ذرات الغمام فيرتعش جسدي من نسمات بردٍ لا يضر، للمكان رائحة امتزاج ألوان الطبيعة، فعشب أخضر مع ورد أصفر يبدو ويستترُ بحياء خلف ستار ذاك الغمام، تتراقص الأغنام نشوى وفرِحة، صغير يُشاغب بين أقدام أمه بحثا عن قطرات الحياة، وأخرى تقفز لاكتشاف معالم الكون الجديد، عشُّ حمامةٍ قابع في هدوء معلقٌ في السماء فيه ثلاث بيضات، تصمت صاحبته وتسكن مخافة أن تكتشفها يد الإنسان فيُحيل لحمها مشويا، وبيضها مقليا، في حفيف الأشجار حكاية، وفي سكون الأحجار رواية، حكاية تتحدث عن عزلة عاشت بعيدا عن الضجيج، ورواية تحكي فصول الانتصار على الإنسان، عند الأصيلِ أشياءٌ تتحركُ من حولي تُلهمني الخضوع، وتزرع في قلبي الهدوء، فيعلو حاجب الصمت وتتردد على الأذن همسات السكون، للسكون ترددات ملونة لا يدركها إلا من حبَّذ عزلةَ الاجتماع، ترددات لا تُدرك إلا بالانفصال عن ترددات الاتصالات وشبكات الإزعاج، أُلقي برأسي على وساد أخضر، أشارك الطبيعة مخدعها، آمل أن أسمع دبيب النملة عائدة لجحرها، تلتصق مفاصل الجسم الترابي بأصل التراب، تحتجب السماء خلف الأشجار، تأتيك رياضة الاسترخاء رغما عنها، تناجيني الأرض أين أنت عني؟ أشَغلتك عني مراكض الحياة أم آثرتَ بدائل الزمان؟ تنسلُّ من جسمي شحنات طاقةِ الألم، وتغادرني رعشات التوتر والقلق، علمتُ أن الأرض كانت عيادة الضعفاء، اقتربت أغنامي أسمع صوت احتكاك أسنانها تقتطع العشب، هو كوكب العطف وبذل الحياة رغبةً في استمرار الحياة، لن تتوقف الحياة مادامت هناك أرضٌ تبذل، زخات المطر تتساقط من كفوف الملائكة، لا أريد النهوض، في الاستلقاء نعيم آخر، تدوي أصوات الرعد وتومض أضواء البرق من فوق جفونٍ مغلقة، تسقط قطرة، يتلوها قطرة، حلَّت رحمة الرحمن، دعني أغرق تحت ماءٍ لم يعرف النجاسة ولم تعكره مصانع تكريرٍ أو تحتجزه سدود الإسمنت، كأن السماء اطَّلعت على صدري فأرادت منحي كل ما أريد، بل علمت حاجتي فوهبتني ما أحتاج، مع قطرات المطر شُيد جسرٌ بيني وبين السماء، فسيح وسيع معطاء أراه وإن أغلقتُ عينيّ، تتدفقُ معه أحاسيس الأمان، شيء متصلب داخل صدري، أشعر أنه غادرني، عند الأصيل كانت الطبيعة تعزف معزوفتها الملائكية، كنت في شهر أُغسطس، ارتجفت من البرد، ولكنه كان بردا منعش، مدّني بالقوة والنشوة، مدّني بالأمل، أوهام كانت تتورم داخل رأسي لم أعد أشعر بها، كوابيس كانت تجثم على صدري لم أعد أعلم مستقرها، الأصيلُ هو وقت عمل عيادة الضعفاء، أيقظتني عجلتي وتسرعي، فتحت عيني، تبدل الكون والسماء غير السماء، لبست الأرض لباس الماء، كان كل ما حولي يجري جريان الأودية، السيول تقفز من علوٍ إلى دنو، مع قفزها صوت ارتطام الماء، قد غادرت أغنامي، لابد أنها التجأت لمسكنها، وقفت أغسل رأسي تحت صنابير السماء، وضعت قدمي فانزلقت، وقعت على ظهري، هذا ما كانت تشعر به "هايدي" في زمن الطفولة، رائحة الطين، هذه هي رائحتنا قبل أن نعرف البصل والثوم وأسواق باريس، استقمت وألقيت رأسي للخلف، اغسلْ أيها المطر أدران علب كبريت نعيش فيها، شرَعتْ الأماني تملي حضور من أتمنى حضوره، الأماني تكون وسائط السعادة، لوقع أقدامي ارتطام بالماء، تخضبت بالحمرة وعلاها الطين، كان البيت لا بالقريب كما أنه ليس بعيدا، مع كل قطرة تسقط كانت النفس تعود لمسارها القويم، غلبَ الظلام انتظاري لقوس الألوان، وعُدت لأوكار البشرِ مطمئنا لعزلةٍ اخترتها، لم يشاركني فيها سوى قطرة مطر، وترنيمة طائر، وأوحال طين.

الثعبان الأسود.





انتشر بين حيوانات الجزيرة وباءٌ غريب، وباءٌ يُعشعشُ في الجمجمة بين قشرة الرأس وبين المخ، يبدأ صُداعا ثم ينهشُ المخَ مسبباً آلاما قاتلة حتى يصل لمرحلته الأخيرة فيخرج قيحا وصديدا من العين اليمنى معلنا دنو لحظات الفناء. فَنِي أثناء تلك الحقبة القاسية من حيوانات الجزيرة كل حكيم، شمرت الأرض عن كل شيطان التحف تربتها، وحلّ الفراغ مُشردا الهواء، كأنها لعنة أرواح الأموات، عادت تنتقم لأجساد المقابر تحمل معها أصوات برزخ العذاب وسحق العظام.
تنفلق ثمرةُ الجوز عن قطران الحقد فيخرج منها نبتتان تلتفان حول بعضهما صعودا إلى السماء، تصعدان حتى لا يُرى رأسيهما، يتحولُ السحاب لمعاول هدمٍ، وتمطرُ السماءُ أحماضَ الكوي والحرق، تهرولُ الأشجارُ تتلفتُ أين العذاب؟ عمَّ الوجع والوصب ثم عمُّ الهدوء فجأة، لم يبقَ إلا الثلة، يأكلون التراب، يلتحفون الجلود، يموت عقلاؤهم، يسقطون من غير رأي في كمائن <الثعبان الأسود>، يئِسوا واستسلموا للعهد الجديد، أصبح الثعبان الأسود عنوانَ السلام و رسولَ الأمن والأمان وحامي الأعراض ومؤمن القوت والزاد، رسم لهم لوحات الجمال على ماء، أحال التراب مالا في خيال، جسَّد لهم من الوهم مالا يُتوهم، أقعدهم على حرفٍ يحسبونه القرار، صاح كبيرهم من دون صوت أن "يحيا الثعبان" وردد صغيرهم أن "كلنا الثعبان".
توالت وفود غربان الليل حين فتور قوة الشمس، سن الثعبان قوانين البقاء، وسنن اللقاء، فمن أراد البقاء فليركع، وإلا فالأنياب مشرعة وأحواض السم تفور محمحمة، ومن أراد اللقاء فالعصرُ من نصيبه والقيدُ حليفه، أضحى حمورابي الجزيرة، استوى على العرش يضرب بذيله، وينفث من فمه، أبناؤه يحترفون التمثيل والإعاقة، وأحيانا الجنون والشحاذة، كان الأسود يأوي لفراشه فيوقن أن عرشه دائم مادام الهوان، أكل كبير الثيران، ونفى عظيم الفيلة، ونافق بين التماسيح فنهشت كبيرها، انحنى له الزمان كُرها في الفناء.

شاع أن له أتباع، بين الوسائد وفي الخدور، ينقلون قليلا مما يسمعون وكثيرا مما لا يسمعون، حتى أصبحت الحيوانات تتخيل الحبال أفاعٍ سود، ضرب الخوف أطنابه وأناخ ركابه، كانت اللقمة بخوف، والبولة بخوف، ومنتصف الطريق بداية، وآخر الطريق ليس له علامة، الأخ يُخوف أخاه بأن "سيأتيك الثعبان الأسود"، وكأن الوباء تبدل ولم يرحل،  والثعبان الأسود سريع الغضب، لا يهدأ ولا يستكن، أكل القلوب والأكباد، واستقدم الذباب والجراد، وأمر السحالي بأن تحرس المباني، والحيات لتتبع الهمَسات، منح نفسه عقلا من رماد، القول من غير تفكير والعمل من دون تدبير، فاستناب عنه قيدا وكرباجا، فازداد خوفا وريبة، أرسل زبانيته في الأرض حاشرين، اسحقوا كل حالية لبن، اقيموا عرشا من الهلع. امتلأت الجحور وضجت الكهوف، قال: فناء الثلثين بقاءٌ للثُلث، أُقيمت المشانق وهُتف: أن الأرض للثعبان يُورثها من يشاء، فأعادت الحيوانات: هو المالك يؤتي مُلكه من يشاء.

المثقفون الرُّحل .






في زمان مضى، ومايزال البعض حتى الآن، ممن يقتصر رزقه على ناقة يحلبها، أو نعجة يذبحها، يرتحلون وراء مُزنٍ يهطل، وسحابةٍ تُمطر، وتستمر الرحلة كلما أجدبت أرضٌ وأخصبت أخرى. والسخرية تصنَّمت في أن الرحلة اقتبسها من ذاك البدوي الوفي مثقفٌ مُدعٍ، والضحكة تضمَّنت في أن القَتام يُرى جمالا، والهباء بهاءً، إمعةٌ مُدعٍ يرتحل كذلك وراء عقولٍ تُنهَب وفكرةٍ تُسلَب، بحثا عن شبهة، وتفتيشا عن ومضة، بعد أن أجدب خياله وجف وكاؤه، طُفيلي ما يحيدُ أن يكون ضامر عقلٍ، يقتات على موائد ذي النفوذ، فإن أجدبت مائدة ارتحل لمائدة أخرى. يملك قلما مداده من حساءٍ يُقدمه له سيده، فيشرب منه مرة، ويبلل قلمه به مرة، أطبق عليهم ناقوسُ الليل، تخطاهُم المنافسُ والزمن، اكتفوا بهزيلٍ اسمه "خُذْ حلْ"، بعد أن سُد أفق السماء بمشاريع خلاقة أُفرع طولها بسواعد إخاءٍ لم يُضعفها فقر دم أو تفتيت أنسجة. أقصدُ رهطاً مثقفين أضاعوا أعمارهم في حرب خاسرة ضد "أصولي"، دهسهم، حتى سُمع نقيق ضفدع يقول عندها "أولئك أناسٌ يتطهرون".
لو أن الثقافة إنسان، لخلعتْ ثوب البشرية عن أن ينتسب لها من كان عارا عليها. لا طريق لديهم، اكتفوا بإزميل، وأبت المطارق ما كانوا يعملون. ألسنتهم تردد "أمرك مولاي"،، التدليس بمئة، التدليس "بْلَس" بمئتين، استبدال الفكر بخمسمئة، والساعة بخمسة "قنية" والحسَّابة بتحسب. يعيشون في أعشاشٍ يحسبونها حصونا، عُشٌ أركانه هزيلة، ودعائمه منخورة، فيأبون إلا أن يروا الهُزال عارضا، والنخر تمارضا، كالذبابة تعتقد أنها تطير بجناحي صقر، وهي لا تتجاوز المزابل.
تملكوا النخبوية بصكٍ شاهداه راقصٌ ومُطبل، فأصبحت شعارا يباع، ثمنه ثمن جيفةٍ مُعطرة تتنقل بين غرف فندق خليع. ما علموا أن الشُهرة الزائفة كجزيرةٍ مقفرةٍ في عرض البحر لا يبلغها إلا من يسبح عكس التيار فيجدها فارغة فينتكس سابحا مع التيار بُغية شربة ماء.
 "قواعد اللعبة تغيرت"، "نحن في ورطة في الطريق الصحيح"، جملتان لا يبوح بهما رجل قيمة ثوبه أغلى من قيمة عقله، بل من درس ومارس، وعصر وعاصر، فتقبلته النفسُ شرابا سائغا للشاربين. 

ريحُ الحق جندٌ من جند الله، تقتلع لسان الشيطان، وتقمع كل بهتان، تخرُّ السماء من كلمة حق، وتستقيم الأرض من زفرة صدق. طريق الهدف المبين، لا يعرف لوحة "الطريق مغلق للصيانة"، بل "الطريق مفتوح للهداية"، تنقاد معه كل حريةِ نَخوة، وتهربُ منه كل حريةِ شَهوة.

نظرةٌ للعلمِ البشري



لو أن التاريخ البشري منذ ولادته إلى لحظتنا هذه يُصوَّرُ كمشهدٍ نراه ونسمعه ونتعايش معه، هل يا ترى نستطيع أن نقطع بأمرِ وصولنا إلى ذروة التقدم البشري والتقني؟ هل نقوى أن نعتبر عام خمسة عشر وألفين قمة العلم البشري؟ ستبرز من بين المشاهد الكثير من المفاجآت والعجائب والتي سينكفئ العقل بها للتدبر مرة أخرى. نحن هنا في معمعةِ ما بعدِ غزو الفضاء وانشطار الذرة وتحليل الخلية واحراق القنابل وإهلاك المتفجرات وسموم الغازات، ولكن هذا لا يؤهلنا إلى التبجح بأننا على قمة القمم، وعلى النقيض من هذا فحتما لسنا في الدرك الأسفل أو في مرحلة منحطة حضاريا وعلمياً. فمن القاطع أننا في نهاية سلسلة بشرية لها من التجارب والخبرات ما يؤهلها إلى أن تكون مُحملة بإرثٍ ضخم يمنحنا ما نريده من تقدم بِناءً على تجارب من سبقونا.
دعونا نقلب صفحات التاريخ ونُنْزلُ العقل قاضيا حكما عدلا، فبدأً من أهرامات مِصر العجيبة والتي حتى الآن لم يتفق علماؤنا إلى النتيجة القطعية لطريقة بنائها، فمن عالم يجزمُ أنها من الطين المصبوب صباً بمعالجة كيميائية عجيبة أحالت الطين الغض الناعم الطري إلى صخرٍ فظٍ صلب قاسٍ، وآخر يجزمُ أنها من صخرٍ طبيعي يعجزُ الإنسان عن تحريكه فضلا عن حمله إلى تلك الارتفاعات، وبناء على كلا التفسيرين فحتما إما أنهم يملكون مختبرات كيميائية ومواد بديعة تُساعدهم على المعالجة والتفاعل وإما أنهم يملكون طرائق هندسية بديعة أيضا لرفع تلك الصخور، دعونا من الحمل والوضع بل ما هي التقنية الهندسية الفذة التي استخدمها الفراعنة في البناء والقياس واختيار المكان فوق التربة المناسبة والدقة في اختيار الزوايا والاتجاهات، والتي أيضا ربما استخدمها أو غيرها قوم ثمود في بناء مدائن صالح والنحت في الجبال بطريقة عبقرية، وهانحن الآن نرى جرافتنا وحفاراتنا بقوتها الجبارة كيف تُعاني في اقتلاع الصخور وحفر الأنفاق، لا أُصدق أنها يد عملاق يملك إزميلا من حديد لم يخش أن يخر عليه الجبل وهو يتلاعب في جوفه.

تجري التجارب الآن لابتكار طريقة بديعة لانتقال الأجسام والسفر عبر الزمن، بدون قطع المسافات المكانية والطرق الاعتيادية، فالأمل أن أكون بشحمي ولحمي في لحظة ما في المشرق وفي اللحظة التالية في المغرب. قد افترض العلماء أن الطريقة ستكون عبر تفكيك جزيئات وذرات الجسم ثم بعثِها بسرعة الضوء إلى المكان الآخر وإعادة ترتيبها في زمن لا يتعدى (0.025) ثانية، هذا جيد، ربما هذه الطريقة هي ذات الطريقة التي ارتحل بها عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين عند سليمان عليه السلام قبل أن يرتد إليه طرفه، فقد ذكر القران الكريم أن العالِم كان ممن آتاه الله العلم. أنا لا أُنكر معجزات الأنبياء ولكن ربما كانوا يملكون مالا نملك، بل ما زلنا نتحسس طريقنا للبحث عنها في عام خمسة عشر وألفين.

عصفور يُلهم .







في صوت عصفورٍ حزمة من الأسرار، أسرار تنبعث كنغمة لطيفة، وترانيم مُرتلة، تتخلل إلى النفس برائحة الطبيعة، رائحة التراب المبلل بماء المطر، ورائحة حبق الماء عند جريان الوادي، فتحمل معها كل معاني السكينة والأناة، هي ممحاة لكل معاني الألم، قاشعة لكل طبقات الغيظ، مُذللةٌ لكل ندبات الزمان، مانحة نفحة من دواء الطبيعة. تستلذ بها الأنفس من غير معرفة بكنهها ومعانيها، تسير خلال أسوار الهواء بانسياب الحب العذب وبيان العربي القُح وألحان الصفاء المُقدس، تطرب لها الأذن فتُصغي، وتسمو بها النفس فتخشع، هي من العُجمة لنا بمكان، ولكن الجمال هو من نقَّاها، والطبيعة من بعثها، والفقد من عرَّبها، والعدم من طرَّبها. عندما نُصغي لها بقلوبنا نتوله فيها بأنبل الأخلاق وأعدل القوانين، هي لا تعرف عنصرية العصر ولا طوائف المكان، تقع بكل إخلاص على أُذن الشريف والمسكين والغني والفقير والرجل والمرأة والشيخ والطفل، مبدؤها لا يعرف أرستقراطية في البذل، ولا دكتاتورية في القضاء، ولا ليبرالية في المعنى، أو عرقية في العطاء. لم تنبني نغماتها على العزل والفرز، جمالها في عدلها وعدلها في جمالها، ولا يأنسُ بالعدل إلا المستوحش من الظُلم. ولا يُنادمُ الجمالَ إلا مرعوبٌ من القباحة. يُغردُ عصفور فيأنس قلبٌ كليل، يُغردُ عصفوران فيغدو قلب الفقير مُمتلأً، يُغرد ثلاثة فيأتيك الربيع زاحفاً، إن كانت تغاريد خِصام أو تناجِ، فلا فضل للروح، فما أروع تعبير الطبيعة عن خصام بين اثنين بأعذب الألحان! لا يوازيه جمالا إلا أن يكون تناجٍ بين عاشقين.

لم يُظلمْ ذلك الطائر وألحانه إلا عندما شبهنا تسارُّ العاشقين به، ما أظلمَنا بني البشر! نتسار ونتناجى ثم نقول هي كألحان البلابل، مع علمنا أن خلفها سرائر النفس المقيتة، والمصالح المُفسدة، والقنابل الموقوتة، والدسائس المُميتة، نتألى على أنفسنا ونقهر عاداتنا ونلوي ألسنتنا لنُخفي حقيقة وراء حرف، ونيةً وراء مقصد، ثم تُعرب لنا الأيام عن سواد من تحت بياض وعن جمر من تحت رماد. فيغدو بنا التغريدُ ضجيجا، والنجوى فحيحا، والرضاب عيونا حارة تتفجر بكل معاني العذاب والوجع، وبكل تفسيرات التألُّمِ والأنين. أوليس هذا ظلما لعصفور لطيف لم نسمع منه إلا أرق الألحان وأعذب الجمال وأرقى المعاني؛ في صوته حزمة من الأسرار؟

بناء الطاغية .





عندما اعتلى "خرّاص بن مُتظاهر" عرش الحِجابة أتته الوفود إثر الوفود، وانهالت عليه الرسائل الإلكترونية كالسيل الجارف، للتهنئة له بالعرش والدعاء بطول المُقام، حتى اضطر رحمه الله كما ذكر المؤرخون أن اقتنى جهازا آخر يحملُ ذاكرة أوسع وأكبر ليتمكن من استقبال الكم الوافر والحجم الكبير من الرسائل والصور الصوتية المُثقلة بالزغاريد وأناشيد الفرح.
أتته القصائد العصماء زحفا، وركع أمامه البيان البليغ، وأُقيمت تحت رجليه المقامات المسجوعة، والتي كانت كما ذكرتها كُتب الأدب تقطرُ وفاءً وتسيل صدقا كما يسيل الندى على أوراق الورد أوقات الصباح، تتزاحم حروفها إجلالا وهيبة في مشهدٍ ينجلي عنده حاجز السماء الدنيا في فؤاد المُتصوف، وكأني بالرسائل المكتوبة وهي تنخلع عن أيدي سُعاة البريد عَجَلة وحُبا للقائه، فلم يكن بها من الصبر عنه بما يُحمِّلها بُطئ خطوات الساعي. وكأني أيضا بالخرافِ تُذبحُ على موائده احتفالا كأنه الغيث أتى بعد دهورِ العجاف.
كان من فطنته رحمه الله أن تواردت عليه الأفكار توارد الإبل على الوِرد بعد طول سفر، فجال بخاطره كيف لهؤلاء الرعية البُلهاء أن يُكشف لهم عن عدله قبل ظُلمه، ووفائه قبل غدره، وسماحته قبل زيغه. لمْ أعزلْ وأُنصِّب، ولم أُقررْ وأَكتب، وهاهم يُمجدون ويُعظمون، ويلهثون ويتذللون، وما هذا إلا من سوء الطبع وخُبثِ السريرة وطمع النفس، تتجلى عندها صورةُ خضوع العبدِ من سيده وتذلل القطة من مالكها.
كان في تزلفهم له إشهارا بكذبهم وإبانة عن تملقهم، فعلِم أنهم مداهنون للعرش سواء كان له أم لغيره. ظل هذا السيل الجارف يُعمل فيه عمل المُخدر في المتخدر، حتى أصابه مرض "البارانويا" فأشعل فؤاده بغريزة العظمة وحُب النفس، وصبَّ عليه القُدسية صباً، حتى ألهاه عن حقيقة وجوده وبنسيانٍ كامل لمشروعه الإصلاحي لم يفق منها إلا بعد سنتين وخمسة أشهر قُبيل أن يُعلن عن ربوبيته وأُلوهيته، فأُقيل وشُفي من مرض الحياة.
تحول العرش منه إلى غيره وتحولت معه ذات الرسائل من جموع الأغبياء تمحو اسم المُرسل إليه في الرسالة لتخُط الاسم الجديد ثم تضع إصبعها على زر (إرسال)، وكذلك استُبدلت الإبل بالخراف، والنحر بالذبح.

ومنذ ذلك الوقت إلى الآن مازالت هذه عادة من عادات العرب الأصيلة، والتي يستبين عنها عُمق فكرهم وبُعد نظرهم وكشفهم لأسرار الغيب قبل أوانه، وحقيقة الهطلِ قبل انهطاله.