ِخِيْرَة







بالقرب من غرفةٍ أسرتها بيضاء، منعزلةٌ في نهاية الممر، مضاءة بأنوار خافتة، تحومُ في أركانها رائحة النظافة. كانت ساعات السحر المتأخر تعلن لحظات السكون القابض على الملل.

وحدي يلفني معطفي الأبيض الخانق لخصري النحيل مع تدلي سماعة الأذن المعلقة على رقبتي المندس رأسها بين نهدي النافرين وصوت حذائي المرتفع يقرع بداخلي نغمات الأنوثة الطاغية فأضرب بها الأرض لترتج معها بقية مفاتني.

منذ أُدخل للمستشفى وطيفه يعتصرُ مُخيلتي وكأنه لوحة وضاءة معلقةٌ أمام عيني. يبدو أنني ولجت به عالما آخر، هل هو عالم الحب الذي أسمع به؟ لن أكابر على زماني فقد جعلت مناوبتي ليلا لأجل رؤيته والسهرِ بجانبه، قلبي يسيرني وجسدي يجرني وابتسامته هي دليل قبوله.
هل سأدع قلبي يموت؟ لقد مت أنا منذ زمن وعادت روحي تحلق فوق تلك الغرفة وتدعوني لأرشف من كأسه لذة الخلود، إنني طبيبة! وتعلمت قراءة نبض القلوب، وسأعلم ما يدور في قلبه بالإضافة إلى أنه لا يختلف عن غيره من الرجال ولن يقوى على مبارزة مفاتن جسمي، وسيأخذني من يدي وسيصهل كالحصان ويقبل رقبتي وصدري ويلثم شفتيّ، وسيمنحني ما تاقت له نفسي، سأخرج سيفه من غمده وأغرسه في جسدي لتشهق روحه وأتلوى تحته كثعبان شارف على الموت.

منذ أصبحت أنثى مطلقة ونسيت طعم لذة الرجل الجامح وجُلّ اهتمامي بعملي، منكبة على كتبي وأبحاثي لأرتقي سلم الحياة ناسية أنوثتي تنهشها فئران الأيام. هجرني زوجي فهجرتُ جسدي وغفلتُ عن احتياجاتي المزروعة بداخلي حتى خبت شعلتها وانطفأت نيرانها وبَعُدَ قعرُ مائها. ثم أتت أعاصيره و قشعت الرماد فانكشف جمر مازال مُوقَدا مُشْعَلا فأشعلتْ معها روحاً قد غفت وأنوثةً قرصها برد الشتاء فجعل أطرافها متجمدة بلا إحساس.
سار بي جسدي نحو غرفته مؤكدا لي أنني سأفوز منه ببسمة أو لمسه أو معانقة.

لم أكن مدركة شدة افتتاني بقوة عضلاته وجمال ثغره وتوقد رجولته التي أذاعتها عينيه إلا بعدما عدت لبيتي و ارتمى جسدي على سريري وغشيتني نيران أنوثتي فأيقظتْ معها جموحي الظامئُ للحب والحنان معلنة سيلاناً قد غفلت عنه.

مازال صدري مكتنزاً وخصري ناحلاً لم يأت حملاً ولم تمر به آلآم الولادة والطلق.

سِرُ جسد المرأة لا يعرفه إلا من ذاق حرارة الحرمان من بعد نعماءَ مسته، سِرٌ غامضٌ أُودِع ولا نعلم متى تنفتح قنينته لتملأ الكون نارا تحصدُ ما يقابلها من جفاف فلا شيء قادرٌ على إخماده إلا بداخل تلك الغرفة.
سأتأكد من تبرجي وسأدخل عليه عرينه كلبؤةٍ فتك بها الجوع، وأحطمُ غُروره بلهفةِ أنوثتي ورائحةَ جسدي وبياض ساعديَّ وعنقي ولن أجعل له طريقا للفرار، سأسمح لشيطاني أن يتحدث عني ويخبره عن مجوني ورغباتي ووحدتي وخلاء الممر من الخوف.
رمقته بنظرةٍ وسألتُه عن حاله ووضعتُ كفي على كفه الأيسر وضغطت بإبهامي حتى احمرّ على وريده وأخبرته عن نبضه وكذلك أخبرت قلبي. يا لحرارةِ جسده الفتي ودفئِ نظراتِه وبهاءِ وجهه وانهزامِ صوتُه، أأصابته سِهامي أم أنه يعاني حرمانا أشد من حرماني؟
في عينيه علامات الانهزام وفي جسده آثار الاسترخاء وصوته تحشرج واغتص به. لم يدر في خلدي أن أهزمه من أول جولة! كيف لا وهاهي رايته البيضاء ترتفع معلنة استعداده.

داخلني الخوف ولا أعلم من أين أتى! بحثت عن شيطاني صرخت أناديه يا له من جبان لقد خاب ظني في نفسي عند لحظة انتشاء جسده. وسْوَسْتُ في أذني بأن الاستعجالَ غير مُجدٍ ودائماً الطبخةُ تكون أشهى إن كانت على نارٍ باردة. انسللت من عنده بعد أن أخبرته أنني سأزوره في آخر ساعة من ليل غد لأطمئن على صحته. 

مرت الساعات ثقيلة كأنها أجساد الفيلة تدك على صدري بأقدام الأرق والتفكيرِ في لحظة العناق، هل سأكون تحته سعيدة؟ هل هو قادر على تسديد ديون الليالي العجاف؟ هل سيترك آثار أسنانه تحت أذني؟ هل سيصيبني بالتورم في صدري؟  أسئلة كثيرة تعصف بأنثى متقدة ترتجي النوم الحقير.

اغتسلت وأزلتُ بضع شعراتٍ بزغت من مناطق عفتي وصففت جدائلي وتجملت، سكبتُ ما تحويه أدراجي من عطوراتٍ تُذيبُ الحجر برائحتها الفواحة. وصلتُ لذات الممر ولهفتي تسبقُني وخلعتُ ملابسي الصغيرة التي لا أحتاج إليها وارتديتُ معطفي الأبيض وسارت بي أقدامي تسابق الوقت والممرُ شاهدا على غنجي وفرحتي وكأنه يريد أن ينطبق ليحتضنني ويفوز بجسدي ويهدأ من تموجات أردافي.

طرقتُ البابَ ولم أنتظر الإجابة، فها هو أمامي واقفٌ في أشد عنفوانه يتهيأ لبدأ معركةٍ مع أنثى أتته طائعة لتذيقه جسدها الساخن على طبقٍ من الرغبة والرضوخ. سآتيه من خلفِه لأحضن هذا الجسد المثير، أُدخل ذراعي من تحتِ إبطيه وأضمه لصدري واستنشق رائحة فحولته العبقة، أمسكتُ صدرَه فاشتعلتْ نيراني وسالت أنهاري وأسندت أذني بين كتفيه لأشعر به يصدني و يقول: ( إني أخاف الله رب العالمين).

اسلاميون والنقيض.




حُشِر في أذهاننا في الماضي القريب بأنهم قُساةُ قلوب، سفهاء لسانٍ، غلاظ تعامل، أعينهم الشرر، وأنوفهم الجوزاء، يتقلدون الغرور ويلبسون الكبرياء ويتسربلون الغطرسة. وهْمٌ فوق وهم ، وكَذِبٌ كُذِبَ علينا، افتراءُ المفتري واختلاقٌ على الخلق. 

رجل الدين يجافي النظافة ويحارب الأدب والحُسن والجمال و يقف كالجدار المنيع أمام جحافل الحرية ومعه عصى من حديد تحت إبطه. 

رجل الدين عملاق طويل عريض ، كفه مرزبه وذراعه جذع نخله. 

رجل الدين ، قلبٌ أسود وفؤاد ضيق، كأنما يصّعد في السماء. 

حرب ضروس أطلقها أعداء الإسلام ليتلقفها أصدقاء أعداء الإسلام وينمونها في أحضانهم ليذْرُوها في أعين المجتمع الغافل على قنوات ماجنة وصحف فاسقة، بعد أن مهدوا لها قلوباً فارغة وصدوراً خاوية إلا من رقص عارٍ وخليلةٍ شقراء وكأسٍ كُمَيْتَ اللون. 

وعلى الشط الآخر أجلسوا من في عُرفِهم ( مثقفٌ وكاتب وأديب حُر ) على كرسيٍ من الأدب الجم والطهارة العفيفة والتهذيب الممزوج بالرزانة واللياقة وكأنه سهيلٌ جالساً أو زُحلُ متواضعاً وهو من هذا كله براء ولكنها انتكاس الفطرة ورؤية الأشياء على غير حقيقتها. فهؤلاء لا يعرفون من الثقافة غير اسمها ومن الأدب غير رسمه. 

ثم جاءت الطامة ووقعت الواقعة وحلّ طوفان العلم وأمواج التقنية الحديثة كالجبال الرواسي تُزمجر وتهدد وتتوعد فابتلعت الخزعبلات وغسلت الأوهام و أبانت لنا أرضا ما كنا نعهدها و نورا ما كنا نراه. 

هبت رياح التقنية على الأغصان المتشابكة ، تكسرُ ما اهترأ منها ، وتُسقطُ المتهالك وتُبقي القوي الصحيح.  فإذا من غدا جالسا على الكرسي المنمق راح متمرغا في الوحل والطين مكشوف العورة، يتخبطُ لا تقع قدمه إلا في هاوية ولا يتكأ إلا على واهنة. غابت شمسُ  حلو الكلام من خلف الستر وانزاحت حجب المواراة والدجل ، فانكشف لنا وجهٌ مشوهٌ ولسان مُستَهْجَن وحِسٌ تُرابي وجسدٌ تغطيه الأوضار، فبذأته العيون وسمجته الأذان وعافه العقلُ الفطين، هم الكلاب العاوية والسباع الضارية والعقارب اللسّاعة. وما زالوا بعُنجهانيتهم يُكابرون وبفضائحهم يُجاهرون مع حُبهم للثناء وفُحشهم في الذمِ والهِجاء. 
القطُ يسترُ بالترابِ ما يخرج منه وهؤلاء يظهرونه ويُفاخرن به ، بئس المورد وردوا وبئس المنطق نطقوا. 

اقتضبَ همَّهُ في لذته فأسهب فِكره في رغبته، فركب المنابر الهشة - وما أكثرها - ينادي لإرضاء نفسه وإشباع شهوته وإشعال شعلة الفتنة ليحفرَ لحْد الدين ويدفنه بعد أن قبض الثمن وأخذ الكِراء وتغافل أن الله متمٌ نوره. 

أعموا بصائرنا بعييهم، وما العيّ إلا نتاج الجهلِ، بقلوبٍ مقلوبة كالكؤوس المنكوسة ممزوجة بمرضٍ فزادهمُ الله مرضا. قلوبٌ أُشربت الغِل والحِقد والحسد والشح وحب الدنيا والرئاسة، وما ذاك إلا من سوء طينتهم وغالب هواهم وغَضْبة نفوسهم وقوة شهوتهم. يحملون كُراتاً فوق الأكتاف جعلت حاملها أبله أخْرق أهْوَج ألْكَع أنْدَخ أنْوَك أهْوَك أوْكَع. وَرَدُوا على حممِ الغواية يحسبونها ينبوع الهداية فزَرطوا روايات الخِسَّة وقصص العشق وحروف الفلاسفة بلا مضغٍ ولا شِربة ماء، فاغتصوا بها وحالهم كحالِ الحمارِ الذي ذهب يطلبُ قرنين فعاد بلا أذنين. 
جمعوا عيَّ (باقل) وحُمقَ (هبنقه) وبُخل ( مادر) وجهالة ( توما) ، فبربك ماذا سيخرج من جوف هؤلاء؟ إلا الجهل ودناءة الخُلق. وما الترفعُ بالباطلِ إلا ضَعَه، وهم جاؤوا إلى خرقةٍ بالية فرقعوها وإلى حرامٍ فحللوه وإلى خبيثٍ فارتكبوه وإلى قبيحٍ فجَملوه. 

أما الرجل المتهم كذبا بسلاطة اللسان وقساوة القلب وغباء الفكر فرأيناه بعد طوفان الحقيقة ورياح الحق طليق اللسان ، رقيق القلب، سريع البديهة، بديع المحيا، ساحر البيان، وجهه السماح، وكفه العطاء. 

انزاحت غمامة الغباء، وتكشّفت منازل التعساء وأيضا السعداء. فإذا المتسلطُ - وما هو بمتسلط - بصاحبِ نكته وظُرفه مع فائدة ومُتعة وإذا بالظالم - وما هو بظالم - يتألم لآلآم الأمة وآلام شباب الأمة. وجدناهم يرعون الأيتام ويوزعون الصدقات ويُحَفِظون القران ويدعون الفتيات ويسترون الزلات ويُقومون العثرات. وجدناهم في سوريا يتبرعون، وفي الصومال يدْعون، وفي بورما يُدافعون، وفي كشمير يتصدقون، وفي موسكو يحاورون، وفي فلسطين يجاهدون. قدوتهم خيرُ خلقِ الله، المُعلم الأول والنبي الأمي القُرشي. يُنْعَتون بالمتشددين وبالطبقة القديمة وبالرعيل المجهول وبالمقلدين وبالجُهال. نعم فهم متشددون على أعراض المؤمنات و حُرمات الله، قديمون يستمدون نهجهم من رسول الله، مجهولون عند الإعلام الهابط والنفوس المتسخة فقط، مقلدون لخير القرون بعد قرنِ نبي الله، جهلة بالفسادِ والزنا والخنا والربا. 

رأينا فيهم صافي الفكرة ومعتدل الطباع وصحيح الفطرة وواسع اللغة وبديع المأخذ ولطيف الكناية مع الشجاعة والضيافةِ والفطنةِ والخطابة والأنفةِ والإخلاص والوفاءِ والبذلِ والسخاء. فجمعوا كرم (حاتم) و ذكاء ( إياس) وحِكمة (الأحنف) وبيان (الحجاج). 

وفي إطلاق الأمر شر والناس ليسوا سواء ولكنها زفرة خرجت، عمادُها الحق وأطنابها الصدق وخِباؤها الغَيرة، فلعلها تجد أذنا صاغية أو صدراً حانيا. 





مؤامرة تأنيث الأسواق






كثر ترديد لفظة ( المرأة ) في الأيام الأخيرة حتى أصبحت نقطة ارتكاز الكون. ولكل متحدثٍ نظرته التي يقصد من خلالها الوصول لهدف رسمه لنفسه.

السؤال: كيف لمجتمع إسلامي محافظ أن يسمح لرجل أجنبي بأن يبيع الملابس الداخلية للنساء؟

بهذا السؤال أعزائي بدأت حملة شعواء لتأنيث العمل في الأسواق، فضرب على وتر الرجولة وأثيرت به الكرامة. ولكن هل وراء الأكمة ما وراءها؟
سأترك الإجابة الآن؟
وأتساءل هل في عمل المرأة في الأسواق تكريما لها كما يذاع أم امتهان لكرامتها وأنوثتها؟

الموضوع أكبر من أن يجاب عليه دون النظر لأكثر من جانب؟
إذا كانت النظرة المادية هي العنصر الأساسي فالإحصائيات تثبت عكس ما نأمل، وخاصة أنها تقول بأنه خلال السنة الأخيرة زادت نسبة عمل المرأة وقلت نسبة أجورهن إلى متوسط يبلغ 2613 ريال، فهل في هذا الأجر تكريما لها؟

وبالنظر للجانب الإجتماعي فالصحف والمحاكم مليئة بجرائم التحرش والإغتصاب والتعدي على الأعراض. فقد استغلت وزارة العمل حاجة الفتاة المسكينة مع العزف على موال الفقر والحاجة بعد أن مورست ضغوطات العطالة لحاملة الشهادة ثم أقنعوها أن هذا هو الطريق الوحيد والحل الأمثل.

هل هناك عقود عمل قانونية بين الفتاة وبين صاحب العمل يكفل حقوقها كاملة؟ أم أن مديرها يخصم من أجرها متى شاء وكيفما شاء؟

أعزائي، كلنا نريد للفتاة الخير ونرغب في أن يكون لها عمل تقتات منه في هذا الزمن الصعيب، ولكن ليكن في بيئة آمنة شريفة طاهرة تعلي مكانتها وترتقي بنفسها.
عمل المرأة الحالي يَكلمُ القلوب الغيورة ويؤذي النفوس الطاهرة وتحتالمجهر نراها تنفيذ لأجندة خارجية واتفاقيات دولية لإخراج المرأة من خدرها فقط.

دعاة تغريب المرأة يعملون بإحترافية وبإتقان ممنهج ويزرعون في قلوب الفتيات بذور الشك في المعتقد والأخلاق ونزع الثقة في النفس لتكن كالصلصال يشكل كيفما شاؤوا. قانونهم نحافظ على المشترية بتدمير البائعة، إذ كانت تختلط بالأجنبي (عشر دقائق) فأضحت تختلط به (ثماني عشرة) ساعة وهي ساعات العمل. فإن كانوا صادقين في دعواهم فلمَ لم يقتصروا على محلات العطور والمكياج والملابس الداخلية ولمَ لم يؤنثوا إلا المجمعات الكبيرة فقط؟ لماذا تؤخذ الفتاة من بيتها لتمارس العمل فورا من غير تدريب وتأهيل بأبسط أبجديات المهنة؟ فبائعة العطور جاهلة به وكذلك بائعة المكياج وغيرها. لماذا لا يؤمن لها وسائل المواصلات اللائقة التي تكفل لها راحتها كمثيلتها الأجنبية؟ ألسنا نرى حافلات النقل المخصصة لنقل الممرضات الأجنبيات من مكان إقامتهن إلى مقار عملهن؟ فلماذا فتياتنا يمنعن منها؟

المرأة السعودية لها خصوصيتها ( إلا من أبت ) فاجعلوا لها ضوابط للعمل وتنظيم جيد يليق بها. فوزارة العمل طبقت القرارات من دون أية دراسة له ونظرا في احتياجاته.
تأكد أيا حاملا ( للشنب الكبير ) أن ابنتك واختك العاملة ليست بمنأى عن تحرش الرجال وأعين المارة وأنها تخضع لقانون وزارة العمل الذي يقول كلما زادت فتنتها وتبرجها كلما ارتفع اجرها ونالت أعلى المناصب.

أنا لا أتحدث هنا عن النوايا بل شيئا شاهدته ولمسته وأصبح ظاهرة واضحة جلية.
وأخيرا، هناك سؤال يتردد، لماذا هذا التوظيف السريع للمرأة مع غظ البصر تماما عن أخيها الشاب؟ أليس من الأولى توظيفه فهو المسؤول الأول والقائم بشؤون المرأة؟

وكأني أرى نتيجة هذا التخبط المتعمد بعد عشرين سنة والشباب على قارعة الطريق وفي المقاهي يتعاطون المخدرات وإبر الهيروين والفتاة تعمل نهارا في الأسواق وليلا في أماكن الدعارة لتعول نفسها وأخيها.

أعزائي من بادره ذرة شك فيما كتبت فعليه بالتوجه إلى (سيتي ماكس) الدور الأرضي مركز سماح سنتر وليبحث عن إجابة لسؤالي الذي طرحته في بداية مقالي هذا.



المقال الأصلي
http://www.jblnews.com/articles.php?action=show&id=36

لحظة زمن .






تهرولُ عجلةُ الزمنِ جارّةً معها قتيل (أمسٍ) القريب لتغتال (حاضر) هذه اللحظة وترسل نذيرها بهديرٍ يُفزعُ (غدا) المستقبل. قد نراها ومضاتٍ سريعةٍ أو لحظاتٍ نشاهدها كما نشاهد فيلماً يُكرّ مسرعا. ولكنها أثقل من ذاك وأكبر، وأدهى وأمر .

لحظةُ زمنٍ، كانت وعاءً لأصدقاء عاشرناهم وأحباب ألفناهم وأماكن اعتدناها وحارات سكناها ومنازل هجرناها.

لحظة زمنٍ، تُذيقك عسلاً مصفى، وتُهديك ورداً مُنقى، وتُسقيك ماءً عذبا، وتُلبسك الحرير ناعما، ليسكن قلبُك ويهدأ طمعُك ثم تنتزعُ روحَك وتبتعد.

لحظة زمنٍ، تموتُ وتفنى فلا تعود إلينا، فما إنْ تغربَ شمسُها حتى تقتُلَ نفسها وفاءً منها للحظة زمن أخرى.

لحظةُ زمنٍ، تحفرُ بداخلِك أعماق المحيطات، وترسلُ أمواجَها فتتلاطمُ تلاطماً يبعث الوحشة في جوفِك عمن فات عنّا واختبأ خلف جدران الموت أو غيبة الأيام.

لحظةُ زمنٍ، تعتريك بظلمةٍ كظلمةِ الليلِ البهيمِ وغموضٍ أشد من غموضه، فتضيع منك الاتجاهات فلا تدري أسهلا سلكت أم وعرا؟ أوطئت رأس جبلٍ أم حللت بطن وادي؟ فيقف النظر عاجزا والعقل حائرا والسمع ميتاً.

وقد كنت أسمعت لو ناديت حياً..... ولكن لا حياة لمن تنادي .

لحظةُ زمنٍ ، تُختزل عندها تفاصيل الحياة المليئة بالأسرار والأحداث ولقاء الأعداء ومفارق الأحبة في مساحةٍ محدودةٍ أمامك. تلك الحياة التي حوت الوجود كله وضمت بين حناياها كل أشعةِ الفجر السعيد ودوّت كلماتُ الحبِ والهيام بين جبالها فتَسمع لصداها نغماتَ مزمارٍ تسري مع هبات الهواء الساكن حتى تقرع جدران القلب قبل أبواب الأذن.

لحظةُ زمنٍ، ترتحلُ أثناءها مشاعر النفس وأحاسيس الوجدان وخلجات الروح من عالمنا فتَحتضرُ الفرحةُ وتخفتُ البسمةُ وتُسدل الستائر على فصولِ المرحِ، ولا يبقى إلا أنها كانت مجرد لحظة زمن.
لحظةُ زمنٍ، فيها نحفرُ القبور، ونغرسُ السهام بداخل الصدور، لننتزع القلبَ ونواريه تراباً مبتلاً بدماء العيون، ثم نغفو بعدها غفوةَ من لا يريد الاستيقاظ، هروباً من سهامٍ قد انغرست في أحشاء القلب وأشبعته موتا بغد غُصة.

لحظةٌ زمنٍ، تُعد في قياس الزمن كشعلةٍ أُوقدت وأٌطفئت في اللحظة ذاتها، ولكنها في الصدور كعمر الكون وطول الزمان. فهي لحظة لا تعترف بالحقيقة كطول وثقل ليل الشتاء على المرضى مع قصره وخفته على العشاق؟
فهي كذلك كالصخرة الصماء السوداء، تسمع من تحتها أطيط الضلوع ، فلا أنت أزحتها ولا أنت تحملتها .

لحظةُ زمن، تجعلك تعيش منعزلاً في ثبات دائم، لا مد ولا جزر، لا شروق بل غروبٌ دائم ، تتلكأ في تنفسك ، تهمس في سمعك: ( اهدئي لا أريد أحداً ، لا أريد نَفَسَاً ، أكملي حياتك أيتها النفسُ بدونِ صوتِ هذه الأنفاس المزعجة)


فترضخ لك ، وتمتثل لأمرك ، فتتوقف الرئة ويغضب القلبُ فيُعلن عصيانه ويُضرب عن العمل ، وتُغلقُ الأجفان لتنتهي معها لحظة الزمن . 


بعيدا عن الريبة.






جميلة هي لحظاتي بجانبك، نرشف من رحيق الهدوء، ونحتضن الأمل السعيد تحت رداء البسمة الشفافة والحب الصافي والعشق الأبدي.

نتناسى مرارة الماضي البائد ، فهو واقعٌ ميتٌ لا روح له تمشي بالطرقات. فلنجليه عن صدورنا و ونطرد خياله بعيدا عن أرواحنا، ونفرش القلب من حلو اللحظة وعذوبة الوقت و نُجمله برائحة الأنفاس الزكية.

فلنعش بداخل أنفسنا، ونلبي احتياج أرواحنا ،ونوردها موارد الكلأ الربيعي الزاهر، لتنشأ ربيعية الهوى، ملائكية الطباع، ولندع ما يهلكها من عيش الصحاري التي لا نملك منها ذرة رمل.

الأوهام قد تحلق بنا في السماء وتقعدنا على أرصفة الجوزاء لنلاعب من هناك طائر النورس الجميل، ونزيح بأكفنا رذاذ السحاب عن خدودنا ونرى الأرض زرقاء كأنها السماء. ولكن الوهم يتبدد والحلم تقتله اليقظة وما كان يُعاش ويُلمس يهرب وكأنه السراب، فنصحو لمعالجة جراح الحرمان الغائرة، ومداواة القلوب المكلومة، ومعاقرة الألم القاتل.

لحظة الحقيقة هي الحقيقة الأبدية والماء الزلال والعبق الطيب الذي لن يزول، وإن زال -وهذه قدرة الخالق- فسيبقى أثرها واضحا جليا كالشمس، تُنيرُ الكون وتبعث الدفئ ..

لحظة الحقيقة قد تُرى من أكثر من جانب ، فإن لم تعجبك من جهة المغرب فأدر نظرك وانظر لها من جهة المشرق، وحتما ستبهرك وتنال رضا نفسك ومبتغى رجاك.


جميلة هي حقيقتي بجانبك مشرقةٌ مقبلةٌ غير مدبرة.





نُورك في ظلمتك .









في صدري ظلمةٌ يا ليلُ.
أيا ليلٌ ينير بظلمته لآلي النجوم.
ويُكحل بفنِ رسمِه مُحيطَ القمر.
ليلي الطويل.
ليلي العميق.
ليلي الأسود.
ليلي يا ليل العاشقين.
ياليل الفجّار المخمورين.
يا ليل المظلومين .
يا ليل الفقراء والمساكين.

ألست يا ليلُ تلفُ العشاقَ تحت كنفك؟
ألست يا ليلُ تُلهمُ الشعراءَ أجزل شعرك؟
ألست تحرس الأطفال في مِهادهم وتُنزلُ  السكينةَ على آبائهم ليهنئوا بالعش الدافئ والعلاقة المقدسة؟
ألست تتألمُ مع الآهات والونات؟
ألست تبتسمُ لتبادلون القبلات؟
ألست تحارب النار لتعود كل مساء؟
ألست تشجو بألحان النوم ليهنأ النائمون؟
ألست ترسل أحلام السعادة لتلقيها في أفئدة التعساء؟
أنت رجاءٌ يأخذُ بأبصارنا في عمق ظُلمتك لتتخطى بنا الحدودَ بأجنحةِ البصيرةِ التي تَرى مُغمضة الجفون.
أنت سكينةٌ تلُفنا بدثارِ الهدوءِ لتَصدَ عنا ضجيجَ النهارِ وصوتَ الغضب.
أنت رحمةٌ تمنحُنا درعَ الأمانِ المُتكسر عليها سهام قسوة الزمان.
نسماتُك أيا ليلُ ذات الرقة تحملنا بريشة الأحلام الوردية فوق أودية الثعابين السامة وجبال الذئاب الناهشة لتمرح بنا بين المروج الخضراء المنصته لهمس القمر.
تحت دثارك تَهِيجُ عواطف المحبين وقلوب الذاكرين لله، الموحدين له .
كنتَ مُؤنسي حتى أزحت عن كاهلي خُرافة الخوف التي تُحاك ضدك. وأبدلتها بطمأنينة أطيب من طمأنينة طفلٍ بين أحضان أمه.
حبيبي أجمل، وجأأ  أجملُ مكتسياً دلال السحاب الراقص في سماء ظُلمته، لتكون له أنت مسرحاً راقصاً تُصفِقُ له النجومُ والكواكب .

للجبال لطفٌ لا تبديها إلا وأنت تحتضنها تحت ساعديك، وللهواء حُنُوٌ لا يبذله إلا تحت وطأة قدميك .

يتكاتف البشر نهاراً لبناء قصورِ الوحشة فوق أسوار المقابر بحجارة الاستعباد، وأتكاتف معك لبناء معابدَ الروح فوق قمم التجلي والخضوع لرب السموات.
فيك تتغير ملامح العشاق و تنحجبُ قتامة الوجه وراء نقاب التأمل والتفكير واللوعة والشوق، ويسري صوتُ العذوبة والحلاوة الذي يُضارعُ نغمة الناي ليقطع صوت نبضات الأفئدة المتقدة وتلتقي الشفاه .
فيك أجفاني تبتسم كالشفاه وترفرف كأجنحة البلابل وقد اكتحلت بأحلام الأمل والفرح .
فظلامك سراجُ قلبي ووحشتك أنيسُ وحدتي وشجنك اندمالُ جرحي .



رناتُ أنين .





ضجيجٌ وهديرٌ وصخبٌ ونعيقٌ.
سواد الليل ينهش أوصال الضياء.
فلا تدعيه و اعتقي قلبك النابض.
أزيحي عنه جلباب عبوسه وتجهمه الأسود.
أنقذيه من الاختناق.
فالوأد في الإسلام حرام.
فعلُ الحبِ سنة المحبين، وطقوس العشق يتمرغ بها كهنة الحب وأرباب الحنان.  
سيدتي، سيخطفك قلبُكِ وأنتِ متيقظة وتنصاعين لندائه كفراشة ذات ألوان تقترب من نور السرج لتهب روحها ثمنا لملامسة النور .
سيخطفك ممن حولك.
لأكون أنا حولك.
اخلعي ما ترتدين ,,, كوني عمياء.
أسدلي رأسك نحوي بعد ترنحٍ.
اضطجعي الهواء وراقبي السماء .
فوق البخار.
تحت الفضاء .
يتهدل شعرك الأسيل.
ترتخي قدميك.
تسقط ذراعيك..
يتمايل نهداك اللينان من فوق إبطيك كأنهما تفاحتين مصابتين بالسمنة فلم تقوى الأغصان حملهما.
تتراقص نسمات الهواء لذةً بملمس جسدك ظاهرُ الدمِ الناشغُ بالماء.
تُحرك جدائلك فتلامس أطرافها أطراف أردافك المحرمة.
لِآتيكِ بأصابعٍ من نور.
وأجسُّ ما تورمَ خجلاً.
وما اغرورق حباً.

سلام أيها الفضاء الحاملُ بكفٍ مرتعشٍ يخافُ الفقدَ جسداً خُلق من الحبِ وغُذي بالحب وأُدخل لفافةَ الحبِ و غَفا على صدر الحب.
جسدٌ صغيرٌ يتوارى خلف الجدران خجلاً فكل الأحداق ترقبه وحُق لها.
رائعٌ مخلوطٌ بالنرجسية التي ما تزيد حُسنك شيئا.
فقد بلغ الحُسن منك ذروته وأمسك القمة وقعد منها بمقعد لن تزحزحه عنه تتابع الفصول و هطول الدموع و صفعات الفقد .  

إذا سكتَ تضطربُ الكائناتُ والأجرامُ والمذنبات، تنتظرُ بلهفة الحرمان رنةً بديعة من مبسمٍ أحمر.
إذا دمعَ تتسابقُ الجبالُ والمُهدُ لعلها تستسقي بدمعةٍ ترتجُ منها جنباتها و تحيى بها أزهارها.

سلامٌ أيها الضياء الغامرُ بنورك ظُلمة التعساء، وأي سلام يحتويك، سعادة القلوب وبهجتها، بسطة الأفئدة ورونقها.
سلام أيها الربيع الواهبُ بجمالك حياةً للأموات، وأي سلام يحتويك، منةُ الله ونعمائه، منحةُ الرحمن ويساره .
سلام أيها الفضل الماحي بعطائك فقر القلوب، وأي سلام يحتويك، كرم المحبين وإحسانهم، ندى العشاق وإفضالهم.
سلام أيها الجَّم المُعتلي بعظمتك صغائر النفوس، وأي سلام يحتويك، علو الأجلاءِ وشرفهم، رفعةُ الوِقَّارِ وعظمتهم.
سلام أيها الجسدُ المكتنف بين جنبيك قلبٌ احتشد بفنائه كل نقاء الكون.
فأسد لي رأسكِ نحوي بعد ترنحٍ.

فلا ضجيج ولا هدير ولا صخب ولا نعيق.