تسوييد بلا تبييض.



في شهر فبراير من العام الماضي دوت أصداء صحفنا المحلية ومجتمعنا بأحداثِ تهمة الفساد والرشوة والغش التي نُسبت إلى منسوبي إدارة التربية والتعليم في منطقة حائل متمثلة في رئيسها والقابع على قمة هرمها يومئذ الأستاذ: حمد العمران.
وقبل الخوض فالمسلمُ ليس من أخلاقه الشماتة بأحد ولا الاستهزاء بأخ و لا التهكم بظالم أو مظلوم ولا الفرح بمصيبة تقع أو تهمة تُدفع. هذا إلا أن المجتمع – أي مجتمع – فيه من التفاضل والتباين في الأقدار والأرزاق والقامات والسمات والأخلاق فهناك الشريف والصادق والخائن والكاذب. وكلنا يجمعنا مسكنٌ واحد ووطن أُم نقفُ عليه وقفة الأمانة وموقف الإخلاص ونعتنق الشرف وننبذ اللُؤم فهذا واجبٌ يُحتمه الواجبُ نفسه وقبله الدين والخُلق العربي. نحن وكلاً بشخصه وموقعه على ثغرٍ يسده وبابٍ يحرسه، ولن قوم لنا قائمة إلا بسواعدنا مُجتمعة وأكفنا متلاحمة مُلتمة، وزراء وأمراء ورؤساء وقضاة وموظفون وعمال نستأصل الورم الخبيث والجرثومة العفنة من مكمنها ولو كان عسيراً وفرض الحق على كل ظالم أو باغي.
عودٌ على أوراق القضية والتي نشرتها بالتفصيل صحيفتنا صحيفة الشرق في عددها ( 451) والمؤرخة في ( 27/2/2013) والتي أبانت أن في أعطاف القضية قضايا وبين السطور بلايا ففيها وثائقٌ تتحدث وانتدابات على غير وجه حق وفتاة سورية أصبحت سعودية وتغافل عن قرارٍ ملكي وتعيين بالقوة والإجبار وهدم حواجز النظام وأسواره ورواتب تُصرف هكذا في الهواء واقتراضات وهبات وكأن الملف مُكتمل الأوراق قائم بذاته لا ينقصه إلا ختمُ قاضي القضاة.
وفي يوم الخميس ( 22/5/2014) جفت الأقلام وطويت الصحف وأعلنت محكمة الاستئناف براءة المتهمين من كل هذه القضايا التي طالت جلساتها وتشعبت أوديتها وفاضت أنهارها فَخِيف أن تُغرق قرى بعيدة ومساكن نائية. مثلها كأي قضية أخرى تمسُ مسؤولا عملاقاً يعتلي بقامته الشاهقة عن مطارق القُضاة و كفوف الميزان.
حسناً، ها قد حصحص الحق أو هكذا يبدو، وبُرئ البريء المسكين وأُلبُس ثوب العدل والصدق ونُظفت ساحته وسُلَّ من التهمة، ولكن يا سادة القضية ليست قضية شخصٍ بعينه، ولكن هناك شجونٌ متشابكة متعاصرة وجذور مترابطة أثمرت عن هذه القضايا الفاسدة فإن بُرئ ( العمران ) وهو يستحق ذلك فمن هو الفاعلُ إذن؟
الواقعة واقعة لا جدال فيها فهذا شيك برقمٍ وتاريخ وتلك هي  ( جاكلين قاسم أبو زيد ) ولكن من هو الفاعل؟
إن يعدل قضاؤنا وكان دستوره الشرع الحكيم يوقع العقوبة على من ظلم ويُجب على تلكم التساؤلات.
هذا جانب أخلاقي وهناك جانبٌ إنساني يتعلق بالمتهم البريء وهل سيغض البصر عن ما لحقه من إدانة وتهمة وردانة وأوساخ، وهل بهذه البساطة تُرمى التهم على أشخاص أمناء بريئون، فيعلق بسمعته وحسبه ما هو منه براء، لماذا القضاء لم يرقُب حتى يكون على ثقةٍ ثم له أن يُسمي المتهم وينادي بالظالم.

تشويه السمعة بغير وجه حق مُصيبة وقذف التهم شتاتاً فجيعة، فالإنسان له قدره والرجل يحفظُ حقه ويصونه وما هكذا تؤكل الكتف يا هيئة الرقابة والتحقيق. 

انطلق من داخلك.



يربض على القلوب جاثوم الذل، ويستحوذ على التفكير مبدأ التشاؤم من سحابة أظلت بضلالها على أركان حياتنا وجنبات دنيانا حتى أصبحت حالة مرضية مستعصية العلاج حلت في القلوب وأنشبت أظفارها كشوكٍ انغرس في لفيفة قطن فإن أنت تركتها وخزت وإن أنت نزعتها مزقت. فتنظر لمن حولك فلا تجد كفاً يحمل شعلة التفاؤل أو قلبا أُشرب بإيمان الرضا.
هي نارٌ موجودة ولهيبها محسوس ودخانها متصاعد ولكن لن يُطفئها تعنيف، ولن يُخمدها عتب، ولن يهمدها توبيخ. فإن لم تحمل الماء ولو في كفك فستصلاك تلك النار وتُحرق جلدك وتخنُق أنفاسك .
في مجتمعنا لن تجلس في مجلسٍ أو تقعد في مقعدٍ إلا وتسمع مُنتحباً ينتحب. و مُتأوهاً يتأوه، وشاهقاً يشهق، وكأننا تربينا في كنفِ ناحبات ورضعنا حليب ناشجات.  نُحسنُ الصراخ في المجالس ونجعلها مصارخ، ونُكثر الجلجلةَ في الحُجرات ونجعلها مُجلجلات . نلعن حظوظنا وما حولنا ونبحث عن مِعلاقةٍ لآلامنا وضعفنا ونفتح الجرح ونستغرب الدماء .
الكثير منا ناقمٌ على المجتمع بكامل أطيافه وعاداته وطبائعه، وفي ذلك بعض الصحة فلسنا ملائكة السماء وأيضاً لسنا شياطين الأرض . فإن ساءك طبعٌ فغيره من داخلك أولا واجعل نقمتك ألا ترتكبه لاحقاً . وإن ساءتك خليقةٌ فاقتلها في نفسك تختفي عن الوجود. وكن أكيداً أن عصبية المجتمع الممقوتة ففي نفسك منها نصيب  وخطيئته الكريهة  ففي داخلك منها حظوة . فإن رأيت مجتمعاً جاهلاً فتعلم أو أحمقاً فتبصر أو أنوكاً فتعقل أو فاسدا فتطهر. فلا تطلب المحال في إصلاح الجميع ولكن أبدأ بنفسك و
لا تنهى عن خلقٍ وتأتي مثله .. عارٌ عليك إذا أتيت عظيمُ. .
نحتاجُ إلى مجتمعٍ يُشجع الأفراد على حسن التعامل وطيب الأخلاق واحترام الآخر بعيداً عن التحيز والتعصب لجنسٍ أو لون. نحتاج ثقافة الابتسامة والدين المعاملة، نحتاج ثقافة الطهارة في الأبدان والنظافة في المكان، نحتاج ثقافة بياض القلوب و نقاء الصدور من الحسد والنفاق، نحتاج ثقافة الفرح والغبطة للآخر عند النجاح وثقافة حسن التوجيه والإرشاد عند التعثر، نحتاج ثقافة حب لأخيك ما تحب لنفسك، نحتاج ثقافة التواضع ولين الجانب، نحتاج ثقافة الخشوع لله و الغيرة على المحارم، نحتاج ثقافة الخوف من الحرام والرجاء في الحلال، نحتاج ثقافة التعلم للنفس لا للآخرين والشهادة، نحتاج ثقافة ترتيب الوقت واستغلال المفيد، نحتاج ثقافة عدم الخوض في أعراض الناس والتفتيش عن مساوئ الغير، نحتاج ثقافة رِفعة النفس وسمو النظرة فلا نُفتي على مظهر ونحكم على ملبس، نحتاج تربية لا تسرق ولا تغتصب ولا تكذب ولا تظلم ولا تغش ولا تزدري. نحتاج نبذ المجاملات وتقبيل الأيدي والتصفيق للفاسدين .
إذا تصفحت تاريخ من سبقونا وأمجاد الحضارات البائدة والحاضرة فستجد أقواما تركوا الأقوال ولزموا الأفعال ولا رضخوا مثلنا لهوان النفس وذل الطبع وصَغارة العقل.
أتعلم أن صلاح الدين كان يلهوا ويعبث ويتبع الملذات فتاب وأناب وأصلح نفسه فقاد الأمه.
أتعلم أن (بيبرس) كان عبداً مملوكا فعاهد نفسه وقوَّمها فكان شجاعا مقداماً حتى طلق العبودية وتزوج المُلك فأصبح الملك بيبرس.
أتعلم أن أبا حنيفة كان فارها مُدللا وأصبح أمةً عالماً بالعلم والعمل والاجتهاد والإصلاح .
أتعلم أن هتلر كان جنديا فغير من نفسه فقاد ألمانيا وأصبحت من أرقى المجتمعات وأكثرها تحضرا. وغيرهم الكثير .
ابدأ بدائرة نفسك فإن نجحتَ فإن أشعة نجاحك ستضيئ الكون ولا تخف.