فاحِّص







بما أننا نسبحُ مجبرين في نظام يتقنُ انتاج البرامج التي تأتي مصادفةً بمسميات على وزن (فاعل)، فلا ضير إن أضفنا واحدا على الأربعة الموجودة إن كانت فعلا أربعة فقط، فأنا قليل الاطلاع على البرامج الحكومية الفاعِلة.
ما سأقترحه سأطلق عليه برنامج (فاحص)، إنه اسمٌ جميل أليس كذلك؟ فمن الواضح ألَّا علاقة له بالمال والجِباية ولا بمحافظِ نقود المساكين.
"فاحصٌ" هذا يستهدفُ كُل ماله علاقة بالكتابة الصحفية، فإن أثبت جدارته وفاعليته فلا مانع عندي من بيع براءة اختراعه لدور النشر والطباعة، وإن أراد موقع "تويتر" أن يُخضع محتواه العربي لسُلطته ونظامه فلا ضير في ذلك والأجر على الله.
"فاحصٌ" هذا مُلمٌ بكل علوم اللغة العربية –التي قبل أيامٍ تشدَّقنا وتفاخرنا بيومها العالمي الذي لا نعلم عنها إلا به– وبكل أقسامها وتصنيفاتها، فيكون جهاز مرورٍ للنحو والإعراب والبلاغة والبيان والبديع وغيرها، وما على الكاتب المُحترم إلا أن يبدأ الكتابة حتى يقول له "فاحص": هل تقصد هذا...؟ أرأيتم لم أسلبْ منكم ضحكةً ولا مالاً! فقط نريد بيانا وتبييناً!
لا شك سنعاني في البداية من خللٍ في "فاحص" لما سيعانيه من شدة الضغط من جراء كثرة التصويب والتعديل وطرح أسئلة "ماذا تقصد؟" والإنباءِ بنبأ الكلمة المحجوبة لظروف أمنية، أو التي تُشطب فورا لمساسها بما لا يجب المساس به، وهكذا دواليك حتى يُصبح عادة وتقليدا متبع. ولكن من الفوائد المجتناه من بين أفنان تعقيداته المتداخلة أن تزداد نفوسنا وقلوبنا وعقولنا صقلا وقدرة على التذوق وعزلا لنداءات الوقاحة التي تُطالبُ بالانخفاض لمستوى الأدنى والأكثر رواجاً، وعزل السُّخف الذي ينحلّ صديده من العقول.

"فاحصٌ" هذا لن يُدشَّن رسمياً ولن يُحتفى به، ولكن لنُدشنه نحن في ذواتنا وعلى ألستنا، نرتَضعُ منه مادة نبني بها العقل والنفس، فما من لغة يُسفهها أهلها إلا كانوا أهل طيشٍ وهوى، وما من أحدٍ ينتقدها إلا لما حاك في صدره من صعوبةِ ارتقائه لسُلمها لجهالة تعتريه وهوى يستهويه فبنى دونها حاجزا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً. فلنُلقي بهم وبعاميتهم خلف أظهرنا و لنُثبِّت "فاحصا" بنسخته الكاملة التي تقبل التحديث التلقائي ومن دون أدنى معاناة وسنفرح لاشك بالنتائج.