وفي
عامِ أربعةٍ وثلاثين وأربعمائة وألف ولسبع ليال ذهبن من شهر شوال وقعت مجزرةٌ
عظيمة ومعركةٌ جسيمة، وَصَبُها شيبَ الشباب، ووقعُها قطَّع الأوصالَ والرقاب. في مكانٍ
يسمى رابعة العدوية، من أرضِ مِصر الأبية، أرضُ المعالي والنصرُ دِيرة الإخلاص.
و المكرمون أحفادُ ابن أبي العاص، معركةٌ ليستْ ضد مشركٍ أو كافر، ولا ملحدٍ أو من
الشهادةِ نافر، تلك كانت حرباً ظلوم، من ظالمٍ على مظلوم، لم تَطْوُل كما داحسَ
والغبراء، أو البسوسَ النكراء، بل صبَّحوهم مع بزغت الشمسِ، وقبل أُفولها لم
يبقى لهم من همسِ، ويروى أن فيها سالت الدماءُ في الأزقةِ والشوارع، ونالَ القتلُ
من كل حاصدٍ وزارع، وكان البدء بالكهلِ والطفلِ الرضيع، والنحرُ والذبحُ وكلٌ بما
يستطيع، وكأنها حربٌ عرقية، قاصيةُ التخيلِ لا أخلاقية، قويٌ متسربلٌ بالسلاح،
مقابل أعزل ريحُ الضعفِ منه فاح، لا لذنبٍ ارتكبوه، ولا لجرمٍ فعلوه، فقط لحقِهم
في وطنِهم خرجوا، ولرئيسهم المنتخبُ سألوا، كانوا يشهدون الشهادة، ويؤدون الصلاةَ
على سجادة، مؤمنون بالله موحدون، وللأمانات هم محافظون، أُطلقت عليهمُ النيرانُ
وهم عزَّل، والرصاص من كل حدبٍ يتنزَّل، رفعوا أصابعَ الإبهامِ، لينجلي الحقُ من
تحت الأوهامِ، وفاضت الأرواحُ لبارئها، وتوالت التكبيرات في نواحيها، كانت
نكسةً بليغة، ووقاحةً جريئة. قتلوا الأبرياءَ وأعدَموهم، ثم مثلوا بهم
وأحرقُوهم. من بقي حياً نشُط في الأبحاث، فلم يعد يفرقُ بين ذكورٍ كانوا أم
إناث، كانت سقطةً أخلاقيةً للعسكر، لمن به عقلٌ أو تذكر، ويروى أيضاً أن
جيش مِصر كان أمامَ الأعداءِ هوانا. فإذ به ضد الأبرياءِ لم يتوانا. لم
يواجه أو يهدد إسرائيل، ولو بالتلميحِ أو بالنزرِ الضئيل، فتاريخُه الأبيضْ، للعار
والخزي قد تعرَّضْ، قاده قائدٌ أهوَّج، أبدعَ النفاقَ وللكذبِ روَّج، وبالعهد
غدَرَ وخَان، وجاوزَ رايةَ الحقِ للبهتان، وفيما ذُكر أنه يكنى السيسِيْ، رئيس
الدفاع جالب المآسِيْ، لاصب الله عليه شآبيب الرحمة، وأعطاه ما يستحقُ من
قِسمة.