(1)
على كرسي من السنديان
الناعم ، أشرب الشاي المُحلى وأنظر للمارة في أحد شوارع العمر . تتقافز أمامي بعض
الكرات العتيقة ، ملونة بألوان السماء وألوان جذور الشجر .
وصلت للدرجة
الثامنة عشرة من السلم الخشبي الذي (يطقطق) مع كل خطوة أخطوها . كانت من أضخم
الدرجات حتى أني أرى فيها حديقة غناء ذات أوراق وأغصان ذات شجون وبيت خشبي التهمته
النيران .
في أحد أركان
الحديقة خبأت ( آلة المزمار ) وفي الناحية الأخرى رسائل الحب في دفترٍ أزرق صغير .
أهوى الإمساك بأعنة الدجاج متخيلاً نفسي أرخي خطامها لتحلق بي بأقصى سرعة . قد كنت
محظوظاً فلا أحد في عمري يملك الدجاج ولو كان خيالاً.
(2)
يا لعظمة هذه
المباني ...
لم أرى في
حياتي غرفة ذات سقفٍ يرتفع خمسين متراً.
سأجرب الصراخ
..
وادي سحيق
يحوي مقاعد وطاولات لكتابة الأرقام عليها ومطعم وبعض الأرانب .
هناك أرنب
مسالم . وآخر كاشف الرأس ، وأنا ألبس العمامة وأدخن .
أُقحمتُ في
حلبة النزال ، وفزت في الجولة الثامنة وكانت المكافئة ( سيجارة ) .
(3)
اكترينا حظيرة
مفروشة بحصى أبيض حاد الرؤوس يُطلقُ شرارا عند احتكاكه.
(4)
تشققت لي
السماء وهطلت قطرات خفيفة ، جمعتها في إناء وامتطيت غزالة لا يوجد في كبدها المسك
. فالرجل صاحب الشارب العريض كان يقول: لا خير في غزالةٍ تُلهيك بمسكها .
(5)
الطريق كان
مليئا بالأشجار المورقة التي تُسقى بمياه الصرف الصحي ولكن لجهلي لم أعلم أنها
مياه غير صالحةٍ للشرب ، فالماء عندي هو الماء، ما ينزل من السماء وما يصعد في
الأشجار . رأيت إحداهن منزوية حزينة، ذهبت لأحتضنها فذابت كالثلج بين كفوف ملتهبة
، احتضنت أخرى فغاصت في الأرض وكأن لم تكن ، غمزتُ للأخيرة فأدارت غصونها بابتسامة
خجولة في ثغرٍ أحمر يخفي اللؤلؤ وبقيت معي ، ولكنها كانت شجرةً عاقر .
الأشجار تغيرت
وأصبحت كالحرباء ، تزحف وتُغير لونها وتسقي السم للأفاعي وتتحدث أحيانا بعد منتصف
الليل .
لم تعد تتشقق
السماء ويبدو أنني تغيرت عليها. استبدلت الصخور بالسماء ، فالحفر في الصخر أسهل من
انتظار القطرات التي يفوز بها دائماً الأكثر طولاً .
وفجأة وثب
أمامي رجل دميم أسود ، ملتفٌ حول نفسه ، جسده مليء بالبراغيث، وتتدحرج الكلمات من
شفتيه كالصخر اسمعُ صوت دحرجتها وهي تحطم الجدران وتُكسر الزجاج . يلفني ظهرا كسيجارة
ويضعني بين شفتيه ويدخن. كانت رائحتي كريهة ولكنه ورغم حرارة الشمس كان يدخن. لم
يطفئني تحت قدمه بل كان يزجُ بي في زنزانةً تحت الأرض مجاورة لغرفة الصرف الصحي .
كان هذا
الدميم يُلقنني كيف أكون كلباً مُطيعاً.
(6)
ما زلت بالرغم
من (طقطقة) السلم أحفر الصخور فقد زارني أبي ليلة البارحة وقال: بداخل إحدى الصخور
ستجد ( إبريق الجن والعفاريت ) الذي سيجعلك تآكل الذهب وتشرب الزئبق .
لم أعد أثق
حتى بأبي ... فلا وجود للجن والعفاريت عوضاً عن أن يكون لهم إبريق . فقد أكلت
الهواء وشربته .
(7)
لم يعد الطريق
مليئا بالأشجار أو أنني لم أعد أراها ، يجب أن لا أشغل تفكيري باختفاء الأشجار ،
فنخيل العراق قد أُجتثت من جذورها ، والقانون السماوي أصبح يافطةً تُعلق في
الشوارع يقرأها العملاق وتنبح تحتها الكلاب .
(8)
سأتسلق جبال
الحجاز، أو سأحفر بداخلها ,, ولكنها أصلب من تلك الصخور والحكومة قد صبت عليها
الرصاص .
إذن سأكتفي
بالسير في الوادي فلكل وادي في نهايته مصبٌ في البحر .
وهذا وادي من
الوديان .
سأصل وسأشرب
البحر . ليتني من العمالقة أو أخدمُ عند العمالقة ، لكان البحر تحت قدميّ يتودد
بأمواجه فاضربه بالعصا فينفلقْ واضربه أخرى فيُغرق جبال الحجاز .
توقفتْ قفزات
تلك الكرات العتيقة على وخزات ذلك النادل الذي أجبرني على دفع ثمن كوب الشاي البارد..