لزاماً عليّ وفي مستهل حديثي أن أنطلق من قاعدةِ متينة
أراها مناسبة للواقع والمقال وذلك لمنع المناوشات ودرأ الأخطار والمُهلكات وهي
حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأسِ
كل سنة من يجدد لها دينها). وقد ذكر الكثير أن التجديد يُقصدُ به العودة للنبع
الصافي والمصدر الزلال وهما (الكتاب والسنة) بعيدا عن شوائب التعصب والقُدسية
والتقليد. فالتجديدُ سنة الله في كونهِ العظيم نلحظها تدبُ من حولنا ونشعرُ بها في
كل مكان.
قلت هذا ونحن في مجتمعٍ نشأنا فيه صغارا نلعب ثم شبابا
نتعلم ثم شيوخا نعجز نتلقى فيه سيلا جارفاً من الوعظ الإسلامي والإرشاد الديني
والبيان...
( سَلْبٌ )

بحثتُ
في الصباح،
في
المساء، وعند الشجر .
حلقَ
العقلُ ثم أطلقَ النظر.
غابتِ
الشمسِ وطاف موعد السفر .
سِرْتُ
الجبالَ والوهادَ والطريق الوعر .
في
جوفي همةٌ لا تبردُ لا تتعبُ لا تستقر.
،
أخفوكِ.
غطوكِ.
كَفروكِ.
حجبوك
كما الغجر .
دفنوك
تحت الحجر .
،
مجرمون
يخرقون المضاجع .
سفاحون
ينثرون الفواجع .
،
أحفادُ
أحفاد يهود.
نقضوا
العهد والعقود .
أعلوا
الجُدرَ والسدود .
مكَّنوا
الوحشَ والقرود .
،
أين
الزهور والإقحوان
أين
لحظات السعود.
أين
الروض والسحاب ذات الرعود .
،
اقذفي
يا سموات ومُجي الروح لا تُحتٓضر
.
اقذفي
يا سموات شهباً تخسفُ بمن غدر .
أمطري
نعم
أمطري...
مُوَاءَمَة

غُصْ
جوفي لنجعل الدفئ نورا ، أَقبضُ معصمك وأُحيطُ بعنِقك والعين تُبحِرُ في العين.
أتذكّر
حبيبي قبل أن أهنأ بقربك سنينَ ظلامي ولحظات عتمتي وخرفشة الخفافيش من حولي في
سراديب الكهوف الملتوية حيث كنتُ أعيش.
كم
من صرخةٍ صرختُها وأنا قابعةٌ داخل الوجار، غاضبة آكل من نفسي حطباً لأتقيأه بعد
دقائق جمراً يندفنُ رماداً. تتصارع ألواني القانئة وتتقاتل ويُجندل بعضها بعضاً
لتمنح الظلام ظلاماً والسواد سواداً .
يحلُ
ليلي فلا أنام قليلاً، فلم ينبتْ جفنيّ وأكره الدموع حقاً .
عندما
أخبرتُك كم من أختٍ لي ماتت وانطفأت شمعتها من أجل دمعة ، فغرتَ فاك !
أريدُ
أن أبكي وأٌحبُ الحياة رغم اللهيب...
ثمار رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية للدكتور ( عمرو شريف )
الدكتور عبد الوهاب المسيري عشقتُ فكره قبل أن أقرأ له،
وجذبني نتاجه قبل أن أطّلع عليه، ذلك الدمنهوري النابغة، والمصري العبقري، والمفكر
الجهبذ، والمسلم المُفكر. عاش صراعاً فكرياً تمخض عن عقلٍ جبار، ورؤية سديدة، وفكر
ثاقب، ولمدة ربع قرنٍ من الزمن بدأه بسؤال الشك والحيرة والبحث عن إجابة لتلميذٍ
يتملكه الإلحاح فاصطدم بمجتمع يحفظ ولا يُفكر ويردد ولا يُجدد. كانت حيرته عن الشر
في العالم وما الحكمة من وجوده ولماذا الحروب والدواب والأفاعي والحسد والاستقواء
والظلم وعن أصل الكون والإنسان. تساؤلات بديهية في مثل عمره عصفت به وحيداً كما
تعصف الرياح بخرقة بالية، فكان الإعلان بمُقاطعة الصلاة والصوم...
رجالٌ من التاريخ

إن أردت التاريخ فهذا مجاله، وإن أردت الأدب فهنا منبعه
، وكأنك تشربُ من جدولٍ ماؤه التاريخ وحوافه الأدب. في تناغم عجيب وتلاحمٍ ساحر
بصنعة صانعٍ ماهر و مُحترف بارع. مع رجال من التاريخ و في ليلتين حلقتُ فيها مع
الشيخِ الأديبِ المرحوم ( علي الطنطاوي ) رحمه الله في حدائقه ورياضهِ الغناء وعلى
سفوحِ جباله الخضراء، يصعد بي واحداً ويهبط بي الآخر . حُزتُ الفوائد الشريفة
وقطفتُ الثمار اليانعة ونلتُ الربح الوفير الذي لم أجدهُ من مطالعةِ كُتبِ التاريخ
وتعقيدات المؤرخين، وزادني أن أذاقني إياها في كأس الأدب الطنطاوي الشفاف اللامع
وأسلوبه البليغ المُقنع الدامغ.
كتابٌ كان حلقاتٍ في الإذاعة السورية فطبعها...
رسائل الروح .. ( الرسالة الثانية ) .

مهجة فؤادي وعين قلبي :
أمانُ من الله عليكِ، و سلام من قلب
مجروح لقلبك ، وتحية من كبدٍ مكلوم تصلك في مأمنك وتمنحك مأملك، وشوق من الفؤاد
يحوم حولك حتى يتأبطك لهيبا و يلتهمك صبابةً. أتدرين أن بين الشوق والزمن خصومة
وعداوة ، فلا الشوق ينتظر الزمن ولا الزمن يعير الشوق اهتماماً. فلا رابط بينهما
كما ليس هناك رابط بين وقت رسائلي إليك وشوقي لك . فالشوق لك أثيث والحنين لك وافر
وفرة الزمن نفسه.
كانت قد ركدت مياه البحيرة وظهرت على
سطحها الطحالب، ثم جالت في السماء سحبٌ سود يعقبها سحب سود، مثقلة كأنها سمينة في
شهرها التاسع وسوط البرق يسوقها وسط دروب السماء وأزقة الفضاء حتى بلغت مكمنها
ونفذ صبرها وتعالت...
تلاطم دموع
.jpg)
جلسا بجانبي في الطائرة وكانا لم يبلغا الحُلم بعد، أخٌ حنونٌ وأُخته اللطيفة ، كان يطعمها ويتفقدها ويحرص على خدمتها واضحاكها، صغيرٌ كان بقلب أمٍ رحومة، صغيرة كانت بقلب معشوقةٍ جميلة، لا يبتغي منها الكثير ولا القليل ، ولا المكافأة ولا العطاء ، ولا المدح ولا السخاء. أخ مع أخته وكأنه العاشق مع معشوقته في لحظة اجتماعهما خلسةٌ عن الأعين أو زوجان في شهر عسلهما،، صغيران كبيران.
عندها استوضَحت أمامي منارات الأخوة ، وتجلت لي معاني اللحمُ والدمُ الواحد، وبانت لي قوة حبل القرابة . كان الساعدَ المُعين، والعين المراقبة، وكانت الصدر الحنون و الفراش الدافئ الوفير.
الأخ وآهٍ من الأخ. ومَن غيري يعرف...
رسائل الروح (الرسالة الأولى)

أتاني طيفُك سَحراً بأجنحةٍ بيضاء مستفسراً عني، ووجهه الوضاء عنوانه الشوق، ولهفته مُسطرةً بأحرف الاستغراب عن أي أرضٍ تُقلني وأي سماءٍ تُظلني؟ فعانقته عناق المُحب وودعته وداع الهائم ثم أخذتُ ظِلعاً من أظلُعي وغمسته في قلبي حتى ارتوى دما وكتبت أقول:
ملني الكوكبُ ومللته، ناجيته حتى سئم، وناظرني حتى كرهني، أرميه استفسارا ، فيجلدني سكوتا. ومع هذا أرتدي ثوب عِشقك الفتان المُوشى بخيوط الجمال. ملني هذا الكوكب بعد أن أحالني قطعةً ثابتة أبدية الجمود، غائر العينين، لا أعي إلا شيئاً ينبثق منكِ، فأراها نسمةً سابحة أو طيفاً خفي أو صورة علقت في الدماغ فاستَمكَنت وكَنَّت.
أحسبني بعد أن قذفت بي قذائف...
ِخِيْرَة

بالقرب
من غرفةٍ أسرتها بيضاء، منعزلةٌ في نهاية الممر، مضاءة بأنوار خافتة، تحومُ في
أركانها رائحة النظافة. كانت ساعات السحر المتأخر تعلن لحظات السكون القابض على
الملل.
وحدي
يلفني معطفي الأبيض الخانق لخصري النحيل مع تدلي سماعة الأذن المعلقة على رقبتي
المندس رأسها بين نهدي النافرين وصوت حذائي المرتفع يقرع بداخلي نغمات الأنوثة
الطاغية فأضرب بها الأرض لترتج معها بقية مفاتني.
منذ
أُدخل للمستشفى وطيفه يعتصرُ مُخيلتي وكأنه لوحة وضاءة معلقةٌ أمام عيني. يبدو
أنني ولجت به عالما آخر، هل هو عالم الحب الذي أسمع به؟ لن أكابر على زماني فقد
جعلت مناوبتي ليلا لأجل رؤيته والسهرِ بجانبه، قلبي يسيرني...
اسلاميون والنقيض.

حُشِر
في أذهاننا في الماضي القريب بأنهم قُساةُ قلوب، سفهاء لسانٍ، غلاظ تعامل، أعينهم
الشرر، وأنوفهم الجوزاء، يتقلدون الغرور ويلبسون الكبرياء ويتسربلون الغطرسة.
وهْمٌ فوق وهم ، وكَذِبٌ كُذِبَ علينا، افتراءُ المفتري واختلاقٌ على الخلق.
رجل
الدين يجافي النظافة ويحارب الأدب والحُسن والجمال و يقف كالجدار المنيع أمام
جحافل الحرية ومعه عصى من حديد تحت إبطه.
رجل
الدين عملاق طويل عريض ، كفه مرزبه وذراعه جذع نخله.
رجل
الدين ، قلبٌ أسود وفؤاد ضيق، كأنما يصّعد في السماء.
حرب
ضروس أطلقها أعداء الإسلام ليتلقفها أصدقاء أعداء الإسلام وينمونها في أحضانهم
ليذْرُوها...