من أجلك حائل .

مدنٌ تأن تحت وطأة اللامبالاة، وبلادٌ تفتقر الحياة من جراء الكسب الشخصي، وطرقاتٌ تنزف جراحُها تحت مشارط العبث، مباني ضخمة فوق أعمدة من هَباء، إن عاجلها الزمن أضحت غباراً منثورا. مستشفياتٌ مقابر، مدارس أكواخ، طُرق مجاري، حدائق مكبات قمامة، نوادي معاقة، أحياء ميتة، مكتبة مقطوعة من خِلاف. هذا الواقع القاتل والمرأى المشين والصورة الباهتة لحياة نعيشها تحت أصداء التصفيق والتصفير وشعارات (عاش المسؤول) ورفع (البشت) ولعق الرخام مع استئصال شقفة لسان الصدق ووأد كلمة الحق والتفاخر بالعبودية. في بلادي (حائل) وردةٌ سُرق رحيقها في وضح النهار واستُل لونها فأضحت كما الخِرقة، ونخلةٌ مثمرة اجتُثت من...

حيازةُ الحياة ومَنحُ ا لموت

في عصرٍ تمسكُ فيه قبضة (الأقوى) بتلابيب (الأضعف) وتُداس فيه (الشجيرة) بأقدام (الفيل) وتمتد يد (البالغ) لتخنق رئتي (النامي) ويموت عطشاً من بيته بجانب النهر، تُسنُ قوانين سنها الدب الغربي المسعور وأنزلها بمنزل المحتوم والتي تُمارٓسُ بمنطق الغاب وشراسة الأسد ضد الحيوان الأليف الضعيف ذي الحافر. يتعجبُ البعضُ من أمةِ العرب ويتعجب من جوها الخالي من العلماء الأفذاذ والعقول النيرة والأفكار المُلهمة ويسأل نفسه أين نَتاج هذا العدد من البشر وأين بحوثهم واختراعاتهم ومؤلفاتهم المعاصرة والموازية مع تقنيات العصر الحديث. لا يمكن اختفاء حضارة بأكملها أو قصور ثقافة كانت عملاقة بهذه البساطة، ألا يستطعن...

أكوانٌ أربعة ..

أربعةُ أكوان . 1 سئمت المكان ، والأطفال جداً مزعجون، عقرب الدقائق الكسول لا يتقن القفز ولا يكمل الدائرة بسرعة؟ وهذا الجسر الكسول متى سيصحو ليقذف بي خارج المكان؟  ثم بعدها ليعود لنومه وشخيره المعهود .  كرهتُ العشيرة، والازدحام والضيق، و أهفوا إلى ما وراء الجسر حيث لا أشواك ولا سجون ولا حُفر الطريق ولا شرطي المرور ولا جسر أيضاً يستعبدك خلفه. كل هذا كلام مسموع وأساطير قديمة فمن عبر الجسر أبدا لا يعود إلينا ويخبرنا بما شاهد. نشوةُ الجديد تأسر عقلي الصغير، هيا يا عقرب،  سأبني لي كوناً كبيرا وشاسع ، لا أريد أحداً،  سئمت المكان المُغطّى. أخبرني (السراج) بأن واحداً...

شالدران .

بالشين كانت أم بالجيم، فما هي عندي إلا راية حقٍ رُفعت، وصرخت رجلٍ دَوَّت، ونُصرة مظلومٍ سُحق من أجلها أربعون ألف جمجمة. شالدران لم تُكبرها لنا عدسة، ولم نقرأ عنها في مدرسة. فاليوم وإن هناك من يتغنى بحملات نابليون ومعارك هتلر وفروسية هانيبال، فليفسح لي ولو للحظة بالتغني بما هو حق، والتطرق لما هو أعظم من أن تستره كفٌ من أصابعٍ خمس، أو يحجبه عنا لمعانٌ من قرصِ شمس. عندما كانت رايات الجهاد العثمانية تبثُ أريج (لا إله إلا الله) في كبدِ أوروبا، والناس يفرون من تعسفِ البابا ونواقيسه، إلى حدائق الإسلام وبهجته. كان على النقيض وفي الطرف الآخر من يُحدِق بعين العِداء ويمكُر بعقل المقت وينَقِب...

قرار ملكي

قَطِّع، قَسِّم ، جَزِّء ، اسرق ، كُل، اغتصب. كعكة، فطيرة، شطيرة، خُبزة، كِسْرة، شرف !!! اغمسه في الترفْ. ثيابُ قارون التحفْ. صَرفْ. غَرَفْ. مألوف، دارجٌ بينهم في الغابة. انحرَفْ. يا وزير، امنحه الشرقيَ من البلاد. وألفاً من الجياد. جدته ( نوره) وهو من الأسياد. وباقي الشعب أسقطهم تشاد. انظر هذا ( الدُرُّ ) وهذا ( الكهرمان) هذا (مُريح ) وذاك ( خالد ) و( مشعل ) والأخير (منصور ). لم يهبط مثله على مر العصور. رُكن الأمه وعماد الدين، كعمه المنصور. علماء وربك، حكماء، أتدري أنهم كلهم وزراء. كُلهم وزراء. كُلهم وزراء. أبوهم ملك، صحيح. إنها الأمانة والترشيح ترشيح، ترشيح، ما...

وكزةٌ في جنبِ مزهرية .

ما إن وضعت اصبعها السبابة وسمعت صوت رنة الجهاز الذي يُنبئ صاحب الجاكيت والكرفتة المزركشة أنها ولجت كهفها اليومي الذي تتزاحم فيه الدوائر السوداء أمام عينيها مُعلنة طقوس وخزات الإبر التي تتلقاها كل يومٍ ماعدا يوم الجمعة حتى أدركت أن كل من في هذا المبنى يحتقرها. كانت تستديرُ وراء حاجز الاستقبال تبحثُ عن نفسها التي فقدتها بذات الإصبع التي عانقت القلم لترسم خطوطا متقاطعة تُعلن بها انتحارها. تقفُ كل غسقٍ أمام المرآة لتملأ رئتيها بكل الهواء المُهيأ لها، وتُسبل جفنيها لتتدحرج دموع الحنين على وجه كان متوردا نضارة وخدودٍ اشتاقت للورد القاني والذي تكفلت بإسقاطه الأيام لتكشف أوراق الخريف وعواصف...

زفرة عربي.

فرّ الأكسجين وولى وأدبر، وأضحينا كائنات لا تستنشق ولا تتذوق. افتقدنا البضاعة الأصيلة والفرس الأصيل والبائع الأمين والسوق النظيفة والعذرُ أن الزمان أراد هذا والقدر أصابنا بما لا نقوى رده. نلجُ سوق الإعلام المرئي فنرى الهزيل والضعيف والعوراء والعرجاء وهذا مُستنكر ولكن الأشد نكراً أن الهزيل يرى في نفسه البدانة، والضعيف الشدة، والعوراء زرقاء اليمامة، والعرجاء تُسابق الشنفري، فأضحى الرائي مُرائياً، والشاشة هَشاشة. فيُراودني لماذا يُقدَّم السُّم مع وجود الشفاء، والآسن مع توافر العذب، والنتن عن المستطاب. ثم وزيادة عليه ها هي تلك الموائد عامرة، وبالزوار مزدحمة، والطرقات إليها تعج بالرائح والغادي. وذات...

عشرينيات العشرين

سألني ذات مرة (عشيري) عن ماذا لو عادت بي عجلة الزمان وغاصت بي سراديب السنين والدهور والأيام ففي أي عصرٍ أريدها أن تقف وفي أي مكان أود أن أختار؟ فقلت له بلا تردد فالحلمُ كان في رأسي قد عشعش، والأماني في صدري مستوطنة وما جرى على لسانه معي كان يجيش في خاطري منذ زمان! أجبته والحسرة على محياي، هي القاهرة ساحرة عقلي وعينيّ، وفي العشرينيات من القرن العشرين غاية منتهاي. فالقاهرة للأعادي قاهرة والنيل هو: النِّيلُ العَذْبُ هو الكوْثرْ والجنةُ شاطئه الأخضرْ ريَّانُ الصَّفحةِ والمنظرْ ما أبهى الخلدَ وما أنضرْ ! فسرح خاطري وجال، فإذا أنا في شقة العقاد، استنشق الغبار وأتصفح كتبه وأتقلب داخل مكتبته...