نظرات من كتاب ( المملكة ) .. الجزء الأول .

في الغالب تكون الممنوعات مرغوبات حسب العرف البشري، واليوم ستجد هنا كتابا قد يبدوا قديما بعض الشيء (نُشر عام 1981) وهو من الكتب التي مُنع تداول نسختها العربية بداخل المملكة، ويحمل العنوان (المملكة) للكاتب (روبرت ليسي) وهو صحفي بريطاني زار المملكة عام (1977) وألف كتابه هذا الذي نحن بصدد قراءة ملخص له بإذن الله. في مقدمة الطبعة العربية نقرأ تفسيرا للمترجم (دهام العطاونة) للسبب الذي جعل النسخة العربية تصدر متأخرة وأنَّ وزارة الإعلام السعودي كانت قد طلبت حذف بعض الصفحات والفقرات بعد أن أرسل لها المؤلف مسودة الكتاب وهذا بالطبع لم يرق للمؤلف الذي قضى أربع سنوات في البحث وجمع المعلومات. الكتاب...

ورقة بيضاء .

قدمها لي الأستاذ عبدالعاطي  قائلا: احذر أخي الورقة البيضاء، في دلالة منه وهو القاص المغربي الذي أسرني بروعة أسلوبه وأنيق سرده ونُبلِ خُلقه بأن لا تترك الورق أمامك خاويا من غير أن تسكب عليه شيئا من قارورة الحبر أو تطلق القلم ليرسم خريطته التي يريد على ساحاته الواسعة. ولك أن تترك العنان لخيالك، فالورقة بيضاء قد تكون عملا تركته أو هدفا تخليت عنه. إدمان العزوف عن الكتابة آكلةٌ تأكلُ أصابعك، وجرذٌ يقضمُ ورقك. وقد عانى منه الكثير من الأصدقاء الذين كانوا يشاركوننا بأقلامهم، ويشاطروننا صفحاتها، فكانت مقالاتهم كالشعلة المنيرة، والقبس الهادي. كانوا رموزا ففقدناهم ومنارات فأضعناهم. أصابهمُ...

الفيس ويتر .

مع بداية سأم الليل ورحيله جارا أذيال هزيمته أمام سناء الفجر وشفق الصبح، ومع خروج بواكير العصافير وجفاف ندى الأوراق، كانت هناك سفينة فضائية عملاقة زرقاء اللون غريبة الشكل عظيمة المظهر، تقترب لتهبط على كوكب السنافر. سفينة سدت الأفق وحجبت الشمس التي مازالت تصارع بأكتافها بقايا فلول الليل، أثارت النقع وهبطت. أضحت هي السماء ، وأصبح الكوكب والسفينة كالبرتقالة وقشرتها، إحاطة من جميع الاتجاهات ، لا مفر ولا منجأ ولا ملجأ إلا لله . رُفعت الرؤوس حتى اختفت الرقاب، وفغرت الأفواه فبانت اللِهاء، وفُتحت الأجفان واتسعت الأحداق. طُيت أبواب السفينة كما يطوى السجل من الكتب...

شعوذةُ عين .

وحيدٌ في ساحة مظلمة مستوحش المكان تتراعد فرائصه مُحتبئٌ في جلسته ذقنه غُرز بين ركبتيه نظراته للشرق منتظره الأفق بعيد والسماء كما الساحة مُظلمة انسكب عليها كحل العيون فلا سُهيلاً تجد ولا ثريا . . فلاحت منك نظرة مشرقة نورا آسرة وجداناً ساحرة شاباً فاتنة قلباً خلابة فؤادا بديعة لا شيء مثلها تحوي دَلُّ النساء ودَلالهم وتدللهم لاحت تلك النظرة من مُقلةٍ واسعة المحيط رقراقةً ذات بصيصٍ وتلألؤ كبرقٍ لمع أو لمعانٍ برَق كلؤلؤٍ أضاء أو ضوءٍ تلألأ كبحيرة هادئة تحتضن البدر يلفهما أغصان تتدلى مائلةً تحمي العاشقين لها صوت الهدوء وهمسات السكينة وخفوت الطمأنينة . . رفع...

حبيبتي والأوباش.

مشتاقٌ لرؤيتها فهي الصبية التي أذهلتنا وأذابت قلوبنا حبا وعشقا عندما كنا في ريعان الصبا وفتوة الشباب. عندما وقفت أمام دارها هوتْ عليَ سحائب الذكريات مع زخاتٍ من مطر الفرح والسرور، فها هي السنون جرت و تلاحقت وقد أخذت منا قيمة وجودنا فيها، ودفعنا من أعمارنا فواتير لهوِنا وسرورنا وغبطتنا حتى طار غرابُ الرأسِ و هبطَ مكانه طائرُ (البوم) الأبيض. و بيدٍ مرتعشة، ذات عروق بارزة، كأنها جذورُ شجيرةٍ صغيرةٍ جرف ترابها السيل، طرقتُ البابَ المهترئ الذي ينبيك بما تَلبَّسه من غبارٍ أنك مقبلٌ على دارٍ أصحابها ملوها فهجروها، وتركوها لقطط الليل وكلاب الشارع. طرقتُ أخرى فلم أسمعْ أحدا يجيب فطرقت الثالثة،...

ابن جاري .

أقول لهم وقد جد الفراق......رويدكم فقد ضاق الخناقُ. رحلتم بالبدور وما رحمتم....مشوقاً لا يبوخُ له اشتياقُ. وداع الغريب مؤلم. ووداع الحبيب قاتلٌ. سنةُ الحياة عناق ثم فراق وأكثر الأحيان هي عناق وفراق. ما إن تتلاقى الأيادي والأكف وتتشابك الأصابع بعد تشابك القلوب حتى تنسل من بعضها فتسمع -واحر قلباه- حشرجة الصدر وأنات الألم و غصات الحنين. تسكبُ جفون الليل قطرات الندى على تيجانِ الأزهار ليأتي النور ويبخرها كأن لم تكن. فراق يتبعه فراق، وبُعد يتلوه بعد. ومن عجيب هذه الحياة أن هناك من يمشي حولنا و يدور في فلكنا من أقارب و أصدقاء حتى أننا نستنشق أنفاسهم ونشم رائحتهم ونرى ضياء وجههم ونبتهج...

آلام.

أهكذا ستسير السنين؟ أهكذا سينقضي العمر تحت أقدام الليالي والأيام؟ أهكذا تتهشم اللحظات الجميلة ؟ أهكذا يتصدع زجاج الحب ويهوي كحبات من الكرهِ والحقدِ ليجرح أصابع من يمسك به؟ أهكذا تنطفئ شمعاتُ الأملِ ويخبو نورُ السراج؟ أهكذا يغطي الظلام أبصارنا؟ أم أن السير بغطاء من الظلامِ في النور أفضل من السير بنور الفؤاد في ظلام الطرقات؟ الجواب بأن الألم أصبح طبيعة والوجعَ حياة والجُرحَ عادة ونزيفه ارتواء.  دمعةُ بلا بسمة، ووداعُ من غيرِ عِناق، وليلٌ بلا صباح، وسموم بلا نسيم، وجفاف من غير مطر، ضِحكةُ من غير نواجذ، هدوءُ من غير سكينة، فقرٌ مع مال، وعريٌ مع لباس، وكآبة مع ملاهي، وسقمٌ...