مملكة الليقرال

كان هنا قبل ألف سنة، لم يكن تَخطى بعدُ سن الطفولة سوى بأقل من مئتي سنة، كان في صمته بحة، وفي حديثه شدوٌ، مجرد جوالٌ غجري، الآن ملامحه لم تتغير كثيرا، فقط برز تورمٌ في كفِه الأيسر بالقرب من أسفل أصبعه الإبهام. في هذا المسار من الزمان كان يجد الرائحة النتنة التي تنبعثُ من خلف تلك الصخور. والتي تخطتها الشمس، بعد ذلك بفترةٍ قصيرة، عندما ظهرت عليها لأول مرة، تخطتها احتقارا لها، ورِفْعَة عن نتانتها، لم تعتبرها إلا وَرَماً شاذا في كف الزمان المستوي بالقرب من إبهامه الصغير. كان هنا بعد أن سمع بالملكِ الخوار، الذي يسكن في الجوار، تاجٌ على مملكة "الليقرال"، هو ذات الملك العالمُ بكل شيء عدا الخطط...

عزائم العزمِ في عواصفِ الحزمِ

لا شيء أرفع من العزة، ولا عزة من دون حزم وقوة. ولا حزم ولا قوة إلا بالله. ثارت الثورات وعصفت العواصف بمن حولنا، والجاهل فقط من أيقن أننا عنها بمنأى، وعن الاكتواء بنارها بمنجى. ففي هذه القرية العالمية لا بد وأن لكل واحدٍ ناقةٌ أو جمل. منذ فترة ليست بالقصيرة كان المد الصفوي يُزخرِفُ قوانينَهُ بمداد الدماء، وبشهوانية الضباع، وبجبروت متجبر، وبطغيان طاغية، قتلَ وسفكَ وقصفَ المساجد وشوهَ الإسلام، خانَ وغدرَ وسبى النساء ويتَّمَ الأطفال. أحاط ببلاد الحرمين إحاطة السوار بالمعصم، أرادها وثنية مجوسية إباحية كما أرادها أسلافه من القرامطة والعبيديين والصفويين. ولكن الحق يأبى إلا الانبلاج ولو من تحت...

مُسِنَّةٌ غير مرحبٍ بها

مُسِنَّةٌ غير مرحبٍ بها قبيل مساءِ يوم حار، كانت مدينة "الدمام" تلف سكانها تحت رطوبة إبطها الخانقة، وعند محطة توقف الحافلات، ينتظر البسطاء من أصحاب الأعمال حافلتهم اليومية تُقلهم إلى مخادع نومهم. يجلس "كتاب" كذلك يتأمل واقعه، معاناةٌ حامضة ترجُّ جسده النحيل، وصداعٌ يُفتتُ رأسه، يستشري طعم الليمون على لسانه، وتهرب الابتسامة منه كما يهرب الناس، استقلَّ تأثيره على واقع متسارع محموم بحمى المال، تخرج أمام ناظريه مشاهد ماضيه الزاهر وأصداء كلمته المسموعة وسلطانه القوي. تقف الحافلة متأوهةً متألمة، تقطر عجلاتها عرقا، وتتمنى لو خرج هواء روحها لعل ارتخاءها يُعجل براحتها من حمل هذه الأكوام المتكدسة...

شكرا ياسر ..

تلقيتُ دعوةً كريمةً للمشاركة بجُهدِ المُقلِ في صحيفة إخبارية حائل، فكانت عندي ثمينة غالية، فيَّاحة فيَّاضة، جوادة سخية، بين طياتها شرف الداعي وأصالة الراغِب، فوقعت مني كما يقع الماءُ من ذي الغُلة الصادي. وقد قالوا: من أكرَمك بالداعي فأكرمه بالوصل، ولا وصل عندي يوازي شرف الداعي إلا الوصل المحض وشدّ حبال عُرى الإنعامِ بعُرى المنح. وما أنا إلا طالبُ قبولٍ وخاطبُ أُلفةٍ برَحلٍ قليل من حروف، وزادٍ زهيد يخرجُ من قلم، فالأماني أن يجد هنا متسعاً وفي أعينكم إعجابا، وبداخل أفئدتكم رضا وبيانا. يُقال من ابتغى هدفا حتما سيصل، ومن عرف الطريق أدلج، ومن أدلج بلغ، ومتى ما كان الهدف سامي المقصد،...

تذكرةٌ لحامل قلم

تَذكرةٌ لحاملِ قلم رأيتُ مُصطفى الأدبِ، صادقَ البيان، رافعَ العربيةِ، الأديب "مصطفى صادق الرافعي" فيما يرى الرائي فإذ به رجلٌ مُقذَّذ، على عرش مُدجَّل، في بيتٍ مُنجَّد، على نهرٍ قد استنهر، وفي مُستقرٍ قد استبحر، يلتقط الحرفَ فيغدو كالكوكبِ الوضّاء ويعلو بالمعنى فلا يتململ بل يستقر في مكامنِ النفوس، فنظرَ إليّ بعين الناصح وقال: إن من عادتي أيا بُني وأنا أكتبُ الفصولَ أن أدعَ الفصل منها يتقلبُ بالخاطر في ذهني أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس وأترك أمره للقوة التي في نفسي فتتولد المعاني من كل ما أرى وما أقرأ وتنثال من هُنا وهُنا ويكون الكلام كأنه شيءٌ حي أُريدَ له الوجودُ فوُجِد. ثم...

رسالة إلى وزيرنا الطريفي

إلى وزير الإعلام "عادل الطريفي" : لا أخفيك فأنا عيِيٌّ في سبك سبائك التهاني والمُباركات، وفي تقليد قلائد المدح والثناء السابقةِ لأوانها، فمنك العذر فهذا جُهد المُقل، فلا في الصمتِ نقصٌ لكامل، ولا في الثناء زيادة لناقص، فخذها حوراء حنونة، ناصعة مُشرقة كفلقِ الصبحِ الوضّاح وكعين الشمس لا يسترها غربال. كما لا أخفيك أنّي قد زورت حديثا في نفسي ثم آثرت محوه عن نشره، وجعلته تحت الصفيح لسذاجته وسقْطه، ولعلمي أنك عليمٌ بما قد كنتُ أضمرت، فمن مثلبةِ الكمال ترديد ما قيل وتكرار ما أصداؤه تُتناولُ من فمٍ إلى أذن مع تعاقب الساعات والأيام. ما أرانا نقول إلا مُعارا                        ...

فاحِّص

بما أننا نسبحُ مجبرين في نظام يتقنُ انتاج البرامج التي تأتي مصادفةً بمسميات على وزن (فاعل)، فلا ضير إن أضفنا واحدا على الأربعة الموجودة إن كانت فعلا أربعة فقط، فأنا قليل الاطلاع على البرامج الحكومية الفاعِلة. ما سأقترحه سأطلق عليه برنامج (فاحص)، إنه اسمٌ جميل أليس كذلك؟ فمن الواضح ألَّا علاقة له بالمال والجِباية ولا بمحافظِ نقود المساكين. "فاحصٌ" هذا يستهدفُ كُل ماله علاقة بالكتابة الصحفية، فإن أثبت جدارته وفاعليته فلا مانع عندي من بيع براءة اختراعه لدور النشر والطباعة، وإن أراد موقع "تويتر" أن يُخضع محتواه العربي لسُلطته ونظامه فلا ضير في ذلك والأجر على الله. "فاحصٌ" هذا مُلمٌ...

هيَّاب .

أقفُ على جبلٍ رقيقٍ مشدودٍ بين الحقيقة والزيف.. حقيقةٌ هاوية.. وزيفٌ مُهلك... لحظاتٌ خاوية.. وفِكْرٌ مُمْسِك... العقول تحت قِحَف الجماجمٍ حالِمة... فإذا انشطر الجسدُ فالروح دائما مُستحكِمة... جراحُ الضميرِ ومالحُ الذكريات المؤلمة.. خياراتٌ شائكة، ولن تُشاركني الحصباءُ دماءَ أرجلٍ حافية. ......................

حروفٌ ذات قروح .

بداخل صندوق مضلع واسعٌ تجري فيه الجبال ضيقٌ لا يحتمل نسمة الهواء رقيقٌ يَشِفُّ عن بعضه غليظٌ مُتَقرح ككعب راعي بدوي في سماديرِ سكرةٍ أم صحوةِ مُتنبه؟ على تلك الأرض تُقِلُّنا خطواتٌ تجرنا تحت ليل بهيمٍ يُظلنا - تائهٌ حائر في بادية يلفها سراب سرابٌ من أمل عند كثبان من رمال رمالٌ من خَيبة - كنت قد ابتُليتُ بلدغةٍ فما هلكتُ، وما برئت أحثُ السير فتتعثرُ الخُطى أنتشل الخطوة فيذروا الغبارَ ريحٌ ريحٌ فيَّأها هجرٌ هجرٌ أثار كُل تِلك الزوبعة أُحيلُ عن عيني أرى الظلامَ نوراً أُحدقُ، فإذا النور ما هو إلا مسمارٌ مسمومٌ تّدُقه مطرقةٌ بانتقامِ صليبي أكوي هذا القرَحَ المُمِدَّ بكلماتٍ...

إنعاش المُحتضِر .

هل من المقدسات العقدية أن نقبعَ على كرسي التعليم لمدة يجب أن تكون اثنتي عشرة سنة؟ ثم هل المُخرجات التعليمية الحالية تعطي دليلا على فاعلية تلك السنوات الطويلة؟ وهل ما حازه الطالب من معرفةٍ وعلم بذي عمق وفائدة توازي بها تلك المدة من السنوات؟ أعتقد أننا سنتفق على هزالة وضحالة ما يجنيه الطالب في مراحل تعليمه العام فهو لا يعدو أن يُلِم بقليلٍ من المعرفةً بالقراءة بلسان أعجمي أو ببعض الحساب باستخدام الآلة الحاسبة أو حفظٍ لتاريخٍ غير مُدقَقٍ أو معرفة بتضاريس شرق اسيا وصادرات دول حوض البحر المتوسط. البيت التعليمي لا يحتاج لترميمٍ هش، ولا إلى اجتهاداتٍ مُخجلة، أو مشاريع من غير هدف واضح. بل...

مُكاشفة.

اقتحم عليّ مكتبي شيطانٌ شرِبَ كأس الغضب وزرط شوك الغرور، فانتفخ حتى سد الباب وأحكم بناءه ولم يبقى من الحائط إلا بناءً مصمتا لا باب له. جلس مستوفزا على جمر الغضى، متهيأ كذئب الغضى، وبه من الغيض ما يشد به حبلا من مكانه إلى أبواب جهنم. سألتُه ما بك يا رجل؟ قال: يعيرونّي بما لست من أهله! ويقحمونّي في دروبٍ لم أسلكها، ويقذفون سمعي بأقذع الوصف وأقبح النعت. ثم أجرى لسانَه مجرى السيل الهادر وقال: نحنُ مجتمع محافظ نعتز بالقيمة العالية والراية المرفرفة، لم يقع الذباب على طعامنا ولم تصبْنا الأوبئة، خُلقنا منزهين عن كل درن، مبرئين من كل عيب. صحيح أن المخدرات كالنار في شبابنا مثلها في الهشيم...