رحمك الله تركي .




عندما ترسل سهام المنون لتخطف قلب أحد أحبابنا فهذا والله لأنه الألم والفقد والحرمان، عندما تأتي نسائم الموت وتأخذ معها أرواح من كنا نجالس ونحادث ونضاحك ونمازح، فهي تلفحنا بالألم وتلطمنا بالعذاب وتصيبنا بالوصب.هي الحياة هي الدنيا أبينا أم رضينا. هي ساعات متواردة وصفحات متقلبة فإن أتت بالسعادة و الهنا فستذيقك بعد لحظات من كأس الشقاء والكآبة. ولكن الله الله في الصبر والسلوان والتجلد و الرضوان.
برحيلك أيا (تركي)، تنجلي لنا قيمة هذه الحياة الحقة. وقدرها الضئيل. وكيف أن لا نغتر بها ونعتز. فهي عند الله أقل من جناح بعوضة. فها أنت بعظمتك وبهائك قد رحلت تاركا وراءك من ينوح ويبكي، ويدمع قلبه قبل عينه، وتجرح دموعه ساحات خده. تاركا من سيتقلب ليل نهار حزنا وكمدا عليك، ومن ستسمع أنين قلبه وحشرجة صوته، ومن سيختنق بالغصات الأليمة وتقطعه اللوعات القاسية ومن سينسحق فؤاده ويتوجع وكأنه لم يفرح بجمال صيف الحياة يوما.
رحلت أيا (تركي) بقلبك الطيب وبوحك الحسن وريحك الجميل. ذهبت مُفارقنا و ذهب معك جمال المحيى وحلو الطلعة ونقاء السريرة وبياض القلب.
عندما تختار المنية من تختار فإنها تقع على من نحب ونعشق ونجل ونُقدر. ربما يا أخي لم تجمعنا الكثير من الأوقات ولكن الأرواح قد أنست ببعضها البعض وتسامرت على أضواء القمر ونسائم الليل البارد الجميل.
ستدخل قبرا نسأل الله عز وجل باسمه العظيم الأعظم , الذي إذا دعيا به أجاب, وإذا سؤل به أعطى, ونسأله بأسمائه الحسنى كلها ما علمنا منها و ما لم نعلم, أن يجعله روضة من رياض الجنة وأن يوسع لك فيه مد بصرك وأن يغفر ذنبك, و يتوب عليك، ويُلهم أهلك وأقاربك الصبر والسلوان في فقدك, فوالله إنه لفقد أليم وجرح غائر بليغ، سيظل ينزف ما بقى ذكرك في الذاكرين، فلست بأقل من السلاطين الخالدين. فمثلك له لوحة جميلة عبقة الرائحة بهية المنظر متناسقة الألوان رسمها بخُلقه النبيل وعمله الجليل يراها كل من عرفك ولقاك، فيلهج لسانه لك بالدعاء بوافر الرحمة و الغفران.

هذه مصائب الدنيا وفيها خير، فالله سبحانه وتعالى من عدله و إنصافه بخلقه أن يجعل الخير بين رفوف الألم ويجعل النعيم بين صفحات العذاب، ولنا في رسولنا أسوة.


حرية مقتول.




مع هروب أشعة الشمس وتواريها وراء قطع السحاب الأحمر المتناثرة فوق الأفق. يهبط المساء بقوته وجبروته ليقتل أخر شعاعٍ أصفر وهو مثقلا بشوقٍ يتراءى لسكانِ الأرضِ مع تجلي النجوم والكواكب لينزله على صدري ويلوذ بالفرار كساعي بريدٍ أتعبه حمل الرسائل فلن يجد الراحة إلا في إيصالها وإنزالها عن كاهله. ولكنه وضعها على صدرٍ تعبٍ عانى الجوى والشجن فأحب الراحة من و عثاء سفر الأيام وكآبة منظر الزمان.
اختلاجاتٌ داخل الصدر وأعاصير هوجاء وبرق ورعد وشتاءً كشتاء كانون، ما تشعر بها إلا وقد عاث بها عفاريتها وجنونها ليحولوها إلى براكين ثائرة و حرارة متقدة تنفجر منها الشرايين و تتهالك معها الأعصاب. كل هذا مصدره قلبٌ صغير مشاكس يصارع الأضلع ويقاوم قيود الأوردة التي أحكمت وثاقة وكتبت عليه حياته وحكمت بالأسر والسجن و الظلام حتى لا يرى نورا ولا يستنشق هواءً.

الطائر المغرد، خلقه الله حراً طليقاً يسبح في فضاءات الكون الشاسع الكبير، يترك غصنا ليحط على آخر، يشرب هذا النبع ويقفز تلك الصخرة ، يغوص الحشائش ويستنشق الورد ، يرتقي جبلاً ويهبط وادياً. هذه حياته وفطرته وطبيعة خلقه وسرُ بقائه وبسمته، ويأتي إنسانٌ متيمٌ بالعبودية ليسجنه في قفصٍ وينتظر الإنشاد والتغريد.
البطش بالحرِ حريةٌ له، أما رأيت الكثير من مناضلي الحق لا يذيع صيتهم بين معاشر الجبناء وينتشر فكرهم إلا بعد السجن والسحق والقتل . سجن الجسد لا يعني حبس الروح، فالروح تحلق بالخارج فوق عشقه وهيامه بما آمن به.
هذا الصغير هو قلبٌ حرٌ في سماواتك وأراضيك ينافرُ داخل قفصه و يجالد، فلن يستسلم لسجّان ولن يركع لحاكم ويخضع لملك .
قلبٌ مناضلٌ مجاهدٌ في معركة ستٌحسمٌ في وقت من الأوقات ففيها متعةُ القتال من أجل أنثى العشق والشغف وملكة القلب والمَطلب.
يتراقص هذا السجين حيناً طرباً برؤية طيفك عندما يُحلقُ بين النجوم وهو مضطجعٌ على ظهره بداخل قفصه فيتوقف الزمن وتجمد الفكرة ويزيغ البصر. ويتقطع أنيناً حيناً أخرى عند شم رائحة عطرك المحفوظة بداخل رئتيه التي لم يُخرجها الزمن ولم تستبدلها الأيام.

سيبقى هذا السجين المناضل مناضلاً حتى تقتله يد الشرائع ويُعلق وهو مخضب بدمائه على شجرة العادات وتأكله غربان التقاليد وتقرئين نعيه في الصحافة صباحاً وحينها تبدأ رحلة حريته الحقة.