ناديت
بصوت جهور وصحت حتى تقطع الصوت. يا لتلك المغرورة الغائبة، الفاتنة الساحرة،
والأنثى المغرية. أريد فقط حوارها وسؤالها عن فِعْلنا بها حتى تركتنا تحت ظلام
الليل تنهشنا السباع و تأكلنا الأسود والضباع. ماذا يا سيدة النساء؟
جسدك
الطري لم نقترب منه وجلدك الغضُ لم نلمسه، و نهداك النافران لم نتحسسهما، فقط
اكتفينا بالنظر اختلاساً، أما أردافك المتكورة فلنا معها ومع الجُبن قصة.
فنحن ابناء شيخٍ علَّمنا منذ الصغر على حُرمة الإقتراب منك والتغزل، مع
الحفاظ على حقوقك وكرامتك وشرفك، ومن غير أن نسأل ماهية الحقوق والكرامة والشرف.
أناديك فعساك تسمعي كلامي وتنصتي لأنيني وتتلطفي مع حشرجة حلقي الذي سئم الصياح،
ومل الطلب والترجي كل صباح.
أنادي
السيدة ( حرية ) القابعة وراء قضبان غرورها، وخلف سور تعاليها. والمُعلِقةُ على
بابها ذلك المُهندُ الأبيض اللامع والذي ينبئك عن خطورة الإقتراب منها ومن أسوار
مملكتها. أناديها في يومٍ يَحتفلُ فيه أبناء الوطن بتشرد أبناء الوطن في مسرحية
الاحتفالِ بالوطن. في يومٍ محفوظ فيه ماذا ستقول وماذا ستسمع وماذا سترى. في يوم
يصبح فيه للكذب رائحة ،وللتزييف نتانةٌ واضحة، في يوم تباح فيه المحرمات ويوطأ على
أنف المقدسات وتُنسى التقاليد والعادات، فعند الضرورة تباح المحظورات. ومن
الضرورات بمكان أن يتراقص أهل الحرمين على تراب الحرمين.
اليوم
الوطني يوم ترديد لمجد أمه وحضارة وطن، حتى ولو خداعا وكذبا، المهم الرقص والتطبيل
والغناء وإلقاء الموشحات في مدح هذا وتأليه هذا، وملئ الصحف بالشعر الأخضر والكلام
الأخضرِ والترهات الخضراء مع كثير من الصور والجمل التي تُعلي شأن من ليس له شأن.
فالبعض يتراقص على أنغام الدندنة وهم الأغبياء السُذج والبعض يتراقص على
أنغام السرقات ودندنة زيادة الأرصدة وهؤلاء عقلاء الوطن.
في هذا
اليوم تَحضرُ فيه السيدة ( حرية ) بلباسها القذر السمج الذي خاطه لها الخياط
الإنجليزي و بمكياجها الفاخر القادم من الأسواق الأمريكية.
ونحنُ
فقط كقطيع أغنامٍ يُحبسُ طوال الفصول الأربعة وفي يومٍ واحدٍ ماطرٍ يطلقها الراعي
لترعى في الجبال وبين السهول فتسير على غير هدى فالجوع والعطش يقودها والمطر من
فوقها يُعميها. وفي المساء تعود إلى زريبتها ولا ترى الشمس لسنة كاملة.
في شوارع
تحليةِ مدننا العظيمة تُقام ذكرى أمجاد الأمه وحضارة الوطن لنُخبر العالم أجمع كيف
تمت عملية توحيد بلاد التوحيد وكيف رُفعت راية التوحيد وكيف سيتم إنزالها حتى تداس
بالأقدام .
نبين
للعالم أننا شبابٌ ساذج معتوه وبناتٌ شهوانيات حمقاوات، نبغي التراقص والغناء ولكن
تحت قرار ملكي وتحت مظلة القانون. لنؤكد للعالم أننا ألواح من الرخام المزيف
يتظاهر باللمعان والقوة وما إن تلمسه هبة ريح حتى يهوي متحطما متكسرا.
فبعد أن
أظهرنا تراثنا الراقص في مهرجان الجنادرية ها نحن في هذا اليوم نؤكد ذلك للمشككين
والمترددين. ونؤكد للعالم أيضاً أننا أفراخُ دجاجة نمشي وراء أُمِّنا فنحن لا
نعرف من الدنيا غيرها, فإن شرقت شرقنا وإن غربت غربنا.
نردد (
يا وطنا يا وطنا عمت عين الحسود ) بين أزقة العاصمة الرياض التي توقفت عقارب
الزمن فيها عند الستينيات من القرن الماضي والجميل في الأمر أنها تحمل عبق الماضي
وجمال التاريخ العتيق. ونكتب في الألواح ( بلادي منار الهدى ) وأبناؤها يدرسون في
الخارج ونحلف ظلما وزورا ( بلادي والله ما مثلك بلد ). وعلى أصوات الكمنجة
الحلال والقيثار الإسلامي ندعو ب ( الله لا يغير علينا ).
نحن
واثقين بأن الدنيا خلقت لنا وحدنا وأننا شعب الله المختار الذي في الآخرةِ سيلجُ
الجنة من أية أبوابها أراد، والنتيجة أنه مع كل يوم وطني يولدُ فاسد ،
ويخرجُ ناهب ، ويُطلُ كاذب.
ومع كل
يوم وطني نجد قصة مأساة ودموع ثكلى وأنين مظلوم.
ومع كل
يوم وطني نعلم أن هناك إجازات من غير إنجازات.
مع كل
يوم وطني نجد (هيلة القصير) في سجون النساء لأنها نطقت بحق.
مع كل
يوم وطني هناك ماجد الدوسري وريهام الحكمي وذكريات وزارة الصحة المؤلمة القاتلة.
مع كل
يوم وطني شيخُ لم يجد علاج، ومُعلمة تركت أولادها الصغار تحت رحمة الموت تتلو دعاء
السفر لتسافر لمدرستها.
مع كل
يوم وطني نجد جنديا يصبح وزير تعليم وآخر نائباً لوزير.
مع كل
يوم وطني هناك ساهر لسلب الجيوب وحافز للضحك على الذقون.
مع كل
يوم وطني هناك قرار ملكي لا يُطبق لأنه لا يتناسب مع أهواء الشيطان وكل ماردٍ
خوان.
مع كل
يوم وطني يذهب تويجري ليأتي طبيشي ويُقال آل شيخٍ ليُنصبَ ال شيخٍ آخر وكأن البلد
كُله أربع عائلات فقط.
مع كل
يوم وطني ينتحر شابٌ قهرا وكمدا فلا عمل وجد و لا إعانة لقي.
مع كل
يوم وطني هناك مسن يبحث في القمامة وعجوز تشحث عند البقالة.
مع كل
يوم وطني يُزال شارع ويُرصف آخر أمام المسؤول، وأحياء جدة تئن و طُرق أبها مازالت
تمارس عملية الإغتيال والنحر.
مع كل
يوم وطني هناك (مُشْعِلٌ) للأراضي ومُغتصبٌ للأملاك.
مع كل
يوم وطني تُوَرَّثُ الوزارات وتُقْسَّم الكعكات بين أبناء الهاي هايات.
مع كل
يوم وطني تُسلب المليارات ليهنأ هذا ويرضى ذاك.
مع كل
يوم وطني نسمع بكاءً خلف الأسوار ونرى مظلوما وراء القضبان فلا هم حُوكموا
فارتاحوا ولا هم تُركوا يأكلون من أرزاق الأرض .
مع كل
يوم وطني ينتفخ بطنٌ شبعا ويضمر آخر جُوعا وقهرا.
مع كل
يوم وطني نجدُ طفلا يبكي الجوع والحليب، محروما من الدواء والطبيب.
مع كل
يوم وطني كرامةٌ تُداس وعزٌ يُهشم وشجاعة تُقتل.
مع كل
يوم وطني فاجرة تُرقّى وكاذب يُنصَّب وعقيمُ فكرٍ يأمر وينهى .
مع كل
يوم وطني فتاة تتراقص عارية كاسية وتتنادى بظلم الذكور وسطوة المجتمع وسجن الحجاب
فيُنصتُ لها، وأخرى لا تعلم أين والدها أهو فوق الأرض لتبحث عنه أم تحتها لتدعو له
فكأنها تنادي أمواتاً.
وفي
النهاية فمع كل يومٍ وطني تزداد الفجوة وتكبر الهوة. فليس من تسرول باللون الأخضر
وصبغ وجهه وحذاءه يكون قد خالج شغاف قلبه حب الوطن وعرف ماهية حب تراب الوطن.
فالحب أعلى وأنبل. فهؤلاء الشباب بحاجة لحبِ السيدة (حرية) وتقبيل شفاهها وشم
عبق رائحة شعرها و النوم في أحضانها، على سرير العدل والمساواة.
الحرية الإسلامية العاشقة لأخلاق المسلم الحقة،
الحرية المرفوعة الرأس التي تسمو بصاحبها وتعلو، القائمة على أركان الكرامة تحت
سماء سماحة الدين وفوق أرض الثقة والأمن والأمان، المتسربلة بحب ولي الأمر العادل.
فإن هواء الحرية النقي يضمن لك صحة أبنائك وصلاح نفوسهم. فهم يريدون وطنا يُشبعهم
قبل أن يسجنهم.