بالقرب
من غرفةٍ أسرتها بيضاء، منعزلةٌ في نهاية الممر، مضاءة بأنوار خافتة، تحومُ في
أركانها رائحة النظافة. كانت ساعات السحر المتأخر تعلن لحظات السكون القابض على
الملل.
وحدي
يلفني معطفي الأبيض الخانق لخصري النحيل مع تدلي سماعة الأذن المعلقة على رقبتي
المندس رأسها بين نهدي النافرين وصوت حذائي المرتفع يقرع بداخلي نغمات الأنوثة
الطاغية فأضرب بها الأرض لترتج معها بقية مفاتني.
منذ
أُدخل للمستشفى وطيفه يعتصرُ مُخيلتي وكأنه لوحة وضاءة معلقةٌ أمام عيني. يبدو
أنني ولجت به عالما آخر، هل هو عالم الحب الذي أسمع به؟ لن أكابر على زماني فقد
جعلت مناوبتي ليلا لأجل رؤيته والسهرِ بجانبه، قلبي يسيرني وجسدي يجرني وابتسامته
هي دليل قبوله.
هل
سأدع قلبي يموت؟ لقد مت أنا منذ زمن وعادت روحي تحلق فوق تلك الغرفة وتدعوني لأرشف
من كأسه لذة الخلود، إنني طبيبة! وتعلمت قراءة نبض القلوب، وسأعلم ما يدور في قلبه
بالإضافة إلى أنه لا يختلف عن غيره من الرجال ولن يقوى على مبارزة مفاتن جسمي،
وسيأخذني من يدي وسيصهل كالحصان ويقبل رقبتي وصدري ويلثم شفتيّ، وسيمنحني ما تاقت
له نفسي، سأخرج سيفه من غمده وأغرسه في جسدي لتشهق روحه وأتلوى تحته كثعبان شارف
على الموت.
منذ
أصبحت أنثى مطلقة ونسيت طعم لذة الرجل الجامح وجُلّ اهتمامي بعملي، منكبة على كتبي
وأبحاثي لأرتقي سلم الحياة ناسية أنوثتي تنهشها فئران الأيام. هجرني زوجي فهجرتُ
جسدي وغفلتُ عن احتياجاتي المزروعة بداخلي حتى خبت شعلتها وانطفأت نيرانها وبَعُدَ
قعرُ مائها. ثم أتت أعاصيره و قشعت الرماد فانكشف جمر مازال مُوقَدا مُشْعَلا
فأشعلتْ معها روحاً قد غفت وأنوثةً قرصها برد الشتاء فجعل أطرافها متجمدة بلا
إحساس.
سار بي
جسدي نحو غرفته مؤكدا لي أنني سأفوز منه ببسمة أو لمسه أو معانقة.
لم أكن
مدركة شدة افتتاني بقوة عضلاته وجمال ثغره وتوقد رجولته التي أذاعتها عينيه إلا
بعدما عدت لبيتي و ارتمى جسدي على سريري وغشيتني نيران أنوثتي فأيقظتْ معها جموحي
الظامئُ للحب والحنان معلنة سيلاناً قد غفلت عنه.
مازال
صدري مكتنزاً وخصري ناحلاً لم يأت حملاً ولم تمر به آلآم الولادة والطلق.
سِرُ
جسد المرأة لا يعرفه إلا من ذاق حرارة الحرمان من بعد نعماءَ مسته، سِرٌ غامضٌ
أُودِع ولا نعلم متى تنفتح قنينته لتملأ الكون نارا تحصدُ ما يقابلها من جفاف فلا شيء
قادرٌ على إخماده إلا بداخل تلك الغرفة.
سأتأكد
من تبرجي وسأدخل عليه عرينه كلبؤةٍ فتك بها الجوع، وأحطمُ غُروره بلهفةِ أنوثتي
ورائحةَ جسدي وبياض ساعديَّ وعنقي ولن أجعل له طريقا للفرار، سأسمح لشيطاني أن
يتحدث عني ويخبره عن مجوني ورغباتي ووحدتي وخلاء الممر من الخوف.
رمقته
بنظرةٍ وسألتُه عن حاله ووضعتُ كفي على كفه الأيسر وضغطت بإبهامي حتى احمرّ على
وريده وأخبرته عن نبضه وكذلك أخبرت قلبي. يا لحرارةِ جسده الفتي ودفئِ نظراتِه
وبهاءِ وجهه وانهزامِ صوتُه، أأصابته سِهامي أم أنه يعاني حرمانا أشد من حرماني؟
في
عينيه علامات الانهزام وفي جسده آثار الاسترخاء وصوته تحشرج واغتص به. لم يدر في
خلدي أن أهزمه من أول جولة! كيف لا وهاهي رايته البيضاء ترتفع معلنة استعداده.
داخلني
الخوف ولا أعلم من أين أتى! بحثت عن شيطاني صرخت أناديه يا له من جبان لقد خاب ظني
في نفسي عند لحظة انتشاء جسده. وسْوَسْتُ في أذني بأن الاستعجالَ غير مُجدٍ
ودائماً الطبخةُ تكون أشهى إن كانت على نارٍ باردة. انسللت من عنده بعد أن أخبرته
أنني سأزوره في آخر ساعة من ليل غد لأطمئن على صحته.
مرت
الساعات ثقيلة كأنها أجساد الفيلة تدك على صدري بأقدام الأرق والتفكيرِ في لحظة
العناق، هل سأكون تحته سعيدة؟ هل هو قادر على تسديد ديون الليالي العجاف؟ هل سيترك
آثار أسنانه تحت أذني؟ هل سيصيبني بالتورم في صدري؟ أسئلة كثيرة تعصف بأنثى
متقدة ترتجي النوم الحقير.
اغتسلت
وأزلتُ بضع شعراتٍ بزغت من مناطق عفتي وصففت جدائلي وتجملت، سكبتُ ما تحويه أدراجي
من عطوراتٍ تُذيبُ الحجر برائحتها الفواحة. وصلتُ لذات الممر ولهفتي تسبقُني
وخلعتُ ملابسي الصغيرة التي لا أحتاج إليها وارتديتُ معطفي الأبيض وسارت بي أقدامي
تسابق الوقت والممرُ شاهدا على غنجي وفرحتي وكأنه يريد أن ينطبق ليحتضنني ويفوز بجسدي
ويهدأ من تموجات أردافي.
طرقتُ البابَ ولم أنتظر الإجابة،
فها هو أمامي واقفٌ في أشد عنفوانه يتهيأ لبدأ معركةٍ مع أنثى أتته طائعة لتذيقه
جسدها الساخن على طبقٍ من الرغبة والرضوخ. سآتيه من خلفِه لأحضن هذا الجسد المثير،
أُدخل ذراعي من تحتِ إبطيه وأضمه لصدري واستنشق رائحة فحولته العبقة، أمسكتُ صدرَه
فاشتعلتْ نيراني وسالت أنهاري وأسندت أذني بين كتفيه لأشعر به يصدني و يقول: ( إني
أخاف الله رب العالمين).