جُبل الإنسان بفطرته على أن يكون اجتماعياً . فهو مخلوق لا يستطيع أن يصارع أمواج الحياة وحيداً.فترانا نبحث عن العلاقات والصداقات بدافع غريزي وفطري ونحن على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي نحتاج فيه إلى هذا الصديق والمعين . وتمر لحظات الفرح والسعادة فترى الأصدقاء من حولك فتعتز بنفسك ويرتفع أنفك ولسان حالك يقول : ( إني ماهر في علاقاتي الإجتماعية وأملك رصيداً لا بأس به من الذكاء الاجتماعي، فهاهم شركاء الحاضر وأصدقاء المستقبل من حولي كأنهم جراد منتشر). وفي ساعة صفاء وأنت مستلقي على سرير نومك وتقلب في صفحات جوالك فيمر بك هذا العدد المهول من أسماء الأصدقاء التي تزخر بها قائمة الأسماء لديك. فتنام قرير العين ، متكل بعد الله على هذه القائمة إذا مال الزمان وضاقت الحال.فهذا أحمد في مدينة الرياض وهذا خالد من قرية التوت وهذا عبد الله في الحي المجاور . وهذا سلطان زميل العمل والدراسة .
وتهب رياح الغضب، وتنقلب الطاولة بما فيها ، فتتناثر أقداح الزمن الجميل، وتنسكب عصائر الحياة السعيدة، وتكشر الدنيا عن أنيابها ، وتقول لك ما رأيك الآن ؟ ماذا ستفعل ؟ كيف ستواجه أخطار الدهر؟
لقد ذهب اليوم الذي هو لك وأتي اليوم الذي عليك؟ ذهب فصل الربيع بجوه المعتدل وهوائه العليل وجاء فصل الصيف بسمومه وغباره .
ولكنك بابتسامه جميلة . ترجع ظهرك للوراء .. وتستند على الكرسي .. وترفع يديك وراء رأسك، كأنك حققت ما لم يحققه الأوائلُ. وتغمض عينيك .
وفجأة تصحو وإذ أنت في صحراء قاحلة . جرداء . لا ترى إلا الرمال. ولا تسمع إلا صوت الريح. لا حياة. لا ماء . مجرد تراب وبعض الهياكل العظمية لبعض أبناء جنسك والذين ماتوا من العطش، فتضيق الدنيا في عينيك. أين أحمد ؟ أين عبد الله؟ أين سلطان؟ أين سكان قرية التوت؟
لا مجيب لا صديق لا رفيق. هذا هم أصدقاء هذا الزمن ما أجملهم وقت الفرح وما أقبحهم وقت الحاجة. وهم ينظرون إليك وفي أيديهم الكثير ولكن لا يريدون. لماذا؟ لا أدري. اذهب واسألهم.
أصبحنا في عالم مليء بالوحوش النهاشة. والأفواه النباحة . والعادات القبيحة.
الكل يبحث عن لقمة لحم تكون معك فإذا نفذ اللحم من يديك انصرفوا لطريق آخر ليبحثوا عن ضحية أخرى. هذه هي عادات أهل قرية التوت.
والبلية أن الكثير منهم يلوم الأصدقاء ويلعن الزمن الذي جمعهم به. وهو متشربٌ بما يفعلون. وقدوةٌ لهم بما يقولون. ولا يدري أنه هو من سكان قرية التوت.
ومن الأمثال التي صارت مصدر ضحك لكثير منا هذا المثل الذي طُرح في الساحة في الوقت القريب الماضي وهو ( ماصديقي إلا أنا) . هذا المثل أو الحكمة - سمها ما شئت - هو كل الصدق وكل الحقيقة . وفي الساعة العصيبة ستتأكد من حقيقة ما قرأت. حاول أن تكون صديق نفسك . اقترب منها، دعها تشتكي منك ولك . اسمعها، حاول أن تفهمها، فأنت تحتاج إليها دائماً ولكنك لا تشعر.
اختبر أصدقاءك واختبر من حولك وحاول أن تختار منهم من يسكن خارج القرية . قبل أن تختبرك الأيام فلا تجد معك أحد.
وفي النهاية...لا يغرك ما كتبت فلربما كنت أنا أيضاً من سكان قرية التوت.
3 التعليقات:
اسلوبك رائع وتشبيهاتك مميزو والموضوع قمة في الاهمية رغم السوداوية التي رسمت فيه
بوركت اخي وثق ان ربك قادر ان يحيل كل الصحاري جنان
رأيت فيهاا .. رقي وروعه الكتاابه
موضوع يصااحب حياتنا بكل تفااصيله ..
اشكرك على هذا الطرح الجميل
دمت بخير
الاماكن دائما يربطنا ناسها فكم مكان عشقناه لعشقنا اهله وناسه
وكم لحظات احببناها لانها جمعتنا بمن احببناهم وراقت لنا معهم احاديثنا
وكم هو رائع ان تجد سعادتك مع اخرين ولكن يبقى الالم قاسياً
حين نربط سعادتنا بوجود الاخرين
لاننا عند فارقهم نفقد البهجه حينها لا نشعر الا بالكآبه التى في الاصل لا وجود لها فقط كونتها مشاعرنا التي تفتقد اناس تؤاما لها
لذا فانا اسير على انلا اربط سعادتي بغيري
ليس لان كل من بقريه التوت يتغير بل لانه واقع نتعايش معه
ربما قد يكون سكان هذه القريه مثلا لكل البشر وقد يكون هو واقعنا
قلمك سيدي لآمس ما بداخلي
وجدت في البدايه تفائلا بدا يزود تدريجيا
راق لي جدااا
تحياتي الورديه
إرسال تعليق
اهمس لي