من مبلغُ كُتابَ الصحف أنهم يهذون بما لا يفقهون وأنهم في كل واد يهيمون وفي كل دَرْكٍ يتخبطون. تصفحت صحفَهم وقلبتُ جرائدَهم وتعمقتَ في أعمدتِهم فلم أجد إلا عُجمةً في اللسان وعاميةً في الإسلوب ونفسي اشتاقت لحرفٍ عربي ولو كان أعزب.
تمنيتُ أن أمتلك ذلك القلم العريض الذي يستخدم في الصفحة الأولى لكتابة العناوين الرئيسية لأكتب ( توقفوا، من فضلكم ) فقد أفسدتم ذائقتنا وأدخلتم علينا ما ليس منا وأعميتم عربيتنا بأعجميتكم.
يسِمُ زاويته بوسمٍ رنان ثم يفرِشها بالغث الرديء الدنيء السافل النتن الغريب، فكلماتها غريبة وأسلوبها عقيمٌ ملتويٌ على الفهم، يستطيع ابن العاشرةِ أن يقولَ أجود مما قال فارشُها. فهو لم يقم بأكثر من صفِ كلماتٍ نكرةٍ بجانبِ بعضها البعض، فكيفما بزغت أمامه وضعها .. ومثلما نطقها طبعها.. ذوقه فاسد، وخياله شحيح. يسرح بنا في أرض قحلٍ مُقْشَعِرة.
أيا كاتب: البيان ليس رغيف خبز تشتريه. بل نَطْقٌ ليس كما النَطْق فهو منطوق بالقلب قبل اللسان مكتوبٌ بحركةٍ تبزغ من داخل النفس بلا تكلف ولا تعمُّل مثلما يصدر الصدى عن الصوت والشعاع عن الشمس. فالاضطلاع بأساليب العرب شيء جميل ومحبب للنفس، والزيادة في المحفوظ من اللغة هو زيادة في طول اليد لتناول ما تريده النفس من معاني.
ومن المحزن المبكي أن دأبكم واحد، ومسلككم بات معلوم، وحرفكم أضحى مكرر. لأن من ولج من هذا الباب وغاص أعماق الصحافة، وامتلك عمودا فيها فهو يعلن بهذا تنازله عن هواه وفكره. فهو مع تيار الصحيفة شاء أم أبى، متماشيا مع فكر أصحابها وسياسة مُلاكها. فإن أرادوه معارضا نصَّبوه، وإن أرادوه مادحا أخبروه.
حسنا لا ضير:
تيارٌ أو حزبٌ ويريد أن تشم حنجرته الهواء وترى النور كلماتُه وصوتُه وهذا من حقه، إذن فاختر الطريق الأجود وترفع عن الوحل والطين. فبهذا قد تبلغ ما هو أبعدُ من الهدفِ المرجو.
أقرِئْني عملا من أعمال الذوق المنثور الذي ما إن يلامس أذني حتى أشعرَ بك بجانبي تُحدثني وتُفضي إلي ما في نفسِك. لا تقل ماذا أكتب اليوم؟ فتهرب منك الأفكار ويحل محلها السباب والشتام وكيف أُرضي هذا وأُسخط هذا.
انزعْ عن المجتمعِ طبقة الغبار الذي تراكم مع السنين والأيام. وأره خيالاً يُهَيجُ وُجْدَه ويُطربُ سمعه على فطرته وسجيته. فتجد في نفوسهم أثرا مما كتبت. ولست أتحدث هنا وأنا معتليا منبر السؤدد أو رقيب الله على خلقِه، فكلنا خطاء وأنا أكثرهم مع كثرةِ حرصي. ولكن زلتي لن تُقَوَم وأنا أرى شخصا لُقب بالمثقفِ المفكر الأديب الكاتب الصحفي اللغوي مالك الحرف وأمير البيان وهو يكتب ( كان خالداً مريضٌ، فأكل محمداً سفرجلٌ).
5 التعليقات:
السلام عليكم
اود فى بادىء الأمر ان احييك على قيمة التدوينة ومدى أهميتها
ثانيا لقد استمتعت بحرفك ونسيت مضمون الرسالة للحظة :) امام بهاء وروعة صياغة الكلمات فما اجمل لغتنا العربية ...مع كل حرف تسبح بنهر عذب رقراق يطربك ويشجيك ويحيلك لعالم راقى بديع ساحر فسبحان من جعل فيها سحر البيان حقا
لكن لو أتينا للحديث عن ركاكة النص بالصحف ولبعض الكتاب فستشعر بغثيان وحسرة على مستقبل الاجيال القادمة ربما أمر الصحفى اهون كثيرا من معلم للغة العربية يسقى تلاميذه الجهل والاستخفاف باللغة التى هى اساس هويتنا
وياليتنا ننعم بعاميتنا لكن لم تسلم هى ايضا من الضياع ... فنحن بمصر دخل علينا فى هذا العصر ألفاظ ولغة عجيبة غريبة لا صلة لها بعموم اللغات ...نسأل الله العفو والعافية
جزاك الله خيرا اخى بندر وبارك فيك واحسنت ماشاء الله
تحياتى بحجم السماء
صدقت صديقي، ومن يأخذ القلم فليأخذه بقوة، فالكتابة لغة وأسلوب ثم معنى...
تحيتي أيها العزيز
وقد أضحكتني: كان خالداً مريض
نوع من التقليب والهجوم على القواعد
مبدع كعاتك بندر
راقت لي كثيرا
شهوده
جميلة جدا زخرفاتك هنا اخي بندر حيث الجوهر يروق ويلمع... اعتقد انه من حسن حضنا كعرب لغتنا لها سكانها ومن يحفظها رغم كل التعرية والاستخفاف التي يحوف بها من اهلها، لغتنا لها شهدها لا تمنحه الا خليلها الذي استل منها....
لك تحيتي وتقديري :)
اراهم مصدقين وفخورين بما ينشر لهم في الصحف ، لانهم اعتادوا على عادة سيئه وهي المجامله ممن حولهم لما تخطه اقلامهم ، لذا لا يرو الا مجاملات تصفق لهم ولو وجدوا نقدا صادقا لتغيرت موضوعاتهم كلياً
فالنقد يساوي قيمتهم وهم محرومين منه ٠٠٠
اسلوبك في السرد رائع
تحياتي الورديه .
إرسال تعليق
اهمس لي