سامرت في ليلتين سابقتين الألمانية ( زيغريد
هونكه) فحدثتني حديث الفتاة الوالة العاشقة عن أخبار شمسِ العرب عندما أشرقت إشراقَ
فتاةٍ نطق الدم في خدها، وتجندل البحر عند عينيها، فكان في حديثها بيانا كما في
وجهها بيانا، يزيدني ظمأ حينا وحينا يرويني فخراً فيدافعني هذا بمقدار ما أدفع
ذاك، أبانت عن أسارير وجهي بقدر ما أدمت من ماء عيني، حدثتني عن شمسٍ ولدت شموسا،
وفجرٍ أعقبه أياما انتفخت أوداجها سرورا وعِزة، كانت تلك الشمس قبل أن يغيب قرصها وراء أمواج
الزمن، ساطعة وهّاجة وضّاءة وضاحة، تزيدُ مع كل صبحٍ إشعاعا من نور، ومع كل فجرٍ
بريقا من ندى. حتى قضى الدهر بجورِ الزمانِ على الفقيرِ.
حدثتني...
توهجُ العتمة.

تتفاوت المجتمعات في درجة اتقانها لعملية (ادعاء التجديد) أو ما نسميها عُرفاً
بـ (الترهيم) وهي ذات العملية التي يُمارسها الشباب على السيارات البالية العتيقة
لإضفاء نكهة العصر عليها خارجيا على الأقل، فهناك من يطمس العيب بقليل من المعجون
والطلاء وآخر يسترُ الخدش بورقةٍ من الزينة أو يسد ثغرة في الهيكل بعودٍ من الخشب،
والغاية من هذا كله هو حجب العيب عن الأعين وابداء الجمال ولو كان زيفاً، وكل على
حسب قدرته ومبلغ نقوده، وهنا يتجلى إبداع الشاب في عملية التزييف للسيارة فهو يجعلها
كفتاة ليلٍ مُعطرة من الخارج جيفة من الداخل أو كاللؤلؤة الصناعية تبرق وداخلها
خواء فالمهم هو المظهر والمظهر فقط....
الجهلُ الذكي والتعليمُ القاتل.

كنتُ قبل زمنٍ ليس بالبعيد أرزحُ تحت ظُلمة
الليل البهيمِ وأسيرُ على غير ذات الهدى، حتى وإن طمعتُ بالمزيد فلا أبرح أن أسير في
طرقاتٍ أجدها عصيبة تتهاوى فيها شهب الظَلال وتأكل أطراف قدميّ الصخور وتلدغها
أفاعي الجهل، زُين لي سراجٌ على أنه نجم الشمال فتبعته، وأُوقدت لي شمعة حسبتها
الشمس، على السليقة سلمت، وبالطبيعة آمنت. ثم سار بي الطريق حتى دخلت لُجةَ وادي لستُ
من أهلهِ ولا من زواره فانهالت على رأسي الصخور صخرة صخرة.
وما كان الظلامُ ظلاماً إلا من أمورٍ جهلتُها
ثم علمتُها، أُناسٌ ملَكوا قِربَ العلم، وعلماء استحوذوا الدرس والتدريس، فسقوني
من الماءِ لا حسب ظمئي وعطشي بل جعلوه حسب أهوائهم...
2310

2310
ما أشد غرابة هذا الزمان! فلو كان لهذا العصر
لسان البشر لصاح واستنكر وأزبد وأرعد، وساق الحجج يُسمعها ما وراء الثقلين. كلنا
قد اطلع على التقرير الذي جلبَ لنا العارَ والخزي أمام الأمم، ذاك تقريرٌ بثته
الوكالة الأسبوع الماضي بتاريخ العاشر بعد المائة من سنة ألفين وثلاثمائة وعشرة
بعنوان (مازال بيننا رجعيون)، وقد صدقت الوكالة بوصف هذه الثلة، ولم تُلصق بهم إلا
ما اختاروه لأنفسهم من صفة ومزية، بل هو عين ما ارتكبوا من جرم وما ألبسونا به من
عار أمام المنظمات العالمية. تملكتني الغرابة وأنا أقلب صفحات ذلك التقرير المخزي
فإذ بنفسي مني وكأنني أُلقمها لحم فأرٍ فتهرب مني وتشمئز وتنقبض، فهل لعاقلٍ...
مُبررات الخطأ

سألتُ صاحبي الصحفي : لماذا هذا التهويل؟
فأجاب بكلمات مقتضبات أبانت لي عن تفكيرٍ مغلوط وتفسيرٍ رأيتُ فيه بعض الجهالة
ولكنها تحوي بين حروفها الكثير من التأويلات والتي قد غفل عنها صاحبي عندما أجابني
عن سؤالي بقوله: (إلي تكسبه إلعبه) هذا الجواب الحاضر والذي ما أتى إلا من سياسية
مُتبَعة ودورات تدريبية حفَّظتُه، وأقول حفَّظته هذه الكلمات الثلاث. في هذا
الجواب نجد وسيلة تبرير أكثر من أنها تقرير بالإضافة للكثير من المغالطات إن لم
تكن كلها ولكن تجاوزناها تجاوزا.
المكسب والكسب لفظة عامة وهو حق مكتسب لكل
فرد في المجتمع فمنها الكسب المادي والكسب الأخلاقي والقيمي والاجتماعي والكسب
العقلي وغيرها...
صَفُّ البَعْثَرة

كن المظلوم ولا
تكن الظالم
حروفٌ تتراصف على لوحات
النظر
لونُها من نزيف الروحِ
يقطعُ سكينُها
الجوف
فيضطرمُ الفؤادُ
ويهوي
وتهوي معه التيجانُ
والعروش
في غاباتِ الواقعِ
الأسود
تزدحمُ مناكبُ
نيرانَ الكُرهِ
حتى يكفُرَ القمرُ
بالنور
ويمارسَ الكونُ
معتقدات الجحودِ
في غاباتِ الواقعِ
الأسود
تُمطرُ السماءُ
بجثث البُغض
على قبورٍ ملْأى
بالدمِ الفاسد
ترتشفُ منها الأرض
وتَرْوَّى
ويَنبُت البغض
ذاته من جديد
في غابات الواقع
الأسود
الحقولُ مزدحمة
بأوراقِ وردٍ مسموم
اللون يبدو
والحقيقة تَخفى
كقاتلٍ مأجورٍ
وضاء الوجه
يدسُ سيفه تحت
معطفه
في غابات الواقع
الأسود
كُسرت أجنحة
الطائرات
تهدَّمت...
رقصة القطط .

عندما يمارَسُ النقدُ بالأسلوب الهادف
والطريقة البناءة، متلمساً طريق الهدى والحق فإنه لا يجنح بعيدا عن الصراط
المستقيم والهدف النبيل واضعا نصب عينيه الصدق والأمانة والقسط والوفاء، طالبا
الكشفَ عن الخلل ومكامن العجز وأساليب الفشل بكافة ما يحتويه من إمكانيات وقدرات،
صافحا القصد عن إلغاء كل المنجزات المُقامة وساميا بذاته عن لغو الشيطان وإشكاليات
الردود على من نصّب نفسه لمحاربة الطريق القويم والرأي السديد، فهذا يُمثل ظاهرة
اجتماعية تُنبئُ عن مُجتمع مُتمدن يجمعُ مثقفين واعين وعقلاء نُجباء وعامة بُسطاء
تبحث عن الحقيقة الصائبة والرأي الموثوق.
وبناء على هذا فعند النظر في نُقاد القرار
العالي...
حتى تطيب الثمرة .
داعش والدواعش، أصبحوا قِبلة الجميع بداية من
السياسي الجهبذ إلى العامل المتواضع مرورا بكبار السن وتجار السلاح والوقود والبصل
والحنطة، فمن أراد لسحابِ الشهرةِ أن تُصيبه ومزن العطاء أن تناله فعليه أن يضوي
أمره و يُدني فكرته وبضاعته تحت ذكر أمر داعش والدواعش، وذاك أمر يسير ومُلاحظ
جماهيريته هذه الأيام. فأولٌ يريد تغير مخطط الأرض وثاني يجني ثمار بيع السلاح وثالث
يستغل الفرصة لإشباع نهمه من السب والشتم ورابع يُعمِمُ خبرهم من فجور وفسق بباقي
الجماعات والتي تُخالف رأيه ليقتنص ما فاته في أيامٍ خلاوي. وما كل هذا بمستغرب في
مجتمع متناحر متباغض مثل مجتمعنا العربي. ولكن من أعجب ما قرأت كلمات صاغها...
أمٌ تحبنا،، وأخٌ ينبذنا،،،

أنعم
الله عليّ أنا وإخوتي بأمٍ حنونة، عطوفة، فاحشةُ الغِنى وفي ريعان شبابها تحن
بالفطرة وتعشق بالطبع وترعى بأمانة، أنجبت إخوة لنا كبارا، بالعمر فقط كبارا،
تقاسموا البيت وملكوا الدور والأملاك بشفاعة الوقت المبكر وبتأخرنا عن البزوغ على
ظهر الغبراء، فألبسوها لباسا من لباسِ زمانهم وكسوها كساءً من كسوة أيامهم
وأسواقهم، وأخذوا منها ليطعموها، حتى قعدت منهم مقعد اللائذة المستجيرة من أوار
العقوق وسموم الحميم إلى زمهرير البِر ونسيم البراد، فلاقت منهم رعاية مع تخبط، وحباً
مع غيرة، واهتماما مع عمى، وصونا مع عجلة. فظهرت كمظهر العَرفجة وسط حديقة غنّاء
أو كالعنزةِ بين قطيع الريم. استمرت بالحمل...
خنزير العرب .

الخيانة نتنةُ الرائحة،
ماؤها آسن، طعمها حنظل، تشمئز منها الأنفس السوية، وتنأى عنها كرامة العربي
وتتنافى مع قيم النفس والدين. ولكنها عندما توضع فوق صحون الذهب وتُرقشُ بالفضة وتُغلف
بأوراق الدولارات وتفوح منها رائحة القصور والفنادق والبارات، أو تقدم مع فتى أمرد
أو بين شفاهِ شقراءَ تتورد، هنا تنقلب المعادلة وتنتكسُ الفطرة المائلة ويصبح لا
فرق بين بساط أخضر أو روث بهيمة أو بين لقمة هنية و حشرة دودية، تصبح الخيانة لدى
البعض معشوقة لا يقوى نكث العهد معها فيعيش عبداً لها، خادما تحت لوائها، ولكنه
يبقى تحت ظلام الليل يسير متخفيا لا أحد يعلم عنه، يستر خياناته تحت غطاء السلامة،
ولكن ما...
بلسمُ الداء .

عنان الزمن قد يرخو ثم
يشتد، ويد الشمال قد تأتي بالنكباء، وعيون السحاب قد تدمر ما يتساقط دمعها عليه،
أوراق الأيام بيد الخلّاق، فماذا لو انقلبت ساعة الزمن، وأصبحت الوَهدة قِمة، وسقط
الباسق إلى القاع. لنتخيل نفوق منابع الطاقة، وتوقف الوقود، وتعطل الكهرباء، واختفاء
أمريكا، وخسوف مدينة جنيف، وخلو أبراج الاتصالات من الإشارة. لا عربات ولا إنارة
ولا لحم مثلج ولا صحف تطبع ولا إذاعة تتنبأ، ولا بوظة ولا حليب للمراعي ولا أنواع
الزخارف ولا غيرها، شلل تام في أقدام الحياة مع عمى وصمم في العينين والأذنين.
لا أرى جدوى في طرح
سؤال هل نقوى على العيش أم لا؟ فحينها ستتغلب نزعة الحياة في داخلنا وسننجو...